شاهدت شاه إيران وهو يُخلع من ملكه خلعا، ويُنزع من سلطانه نزعا، ويُطرد من وطنه طردا بعدما تجبر وتكبر وبغى وطغى، وأذاق شعبه صنوف الإذلال، وجرعهم كأس الهوان، فقلت: سبحان المعز المذل الذي يمهل ولا يهمل، وشاهدت تشاوشيسكو رئيس رومانيا وكان رعديدا جبانا مستبدا طاغية اتخذ شرطة سرية تحرسه، وتذيق الشعب أنواع البلاء وأشكال العذاب، فخلعه شعبه ثم ذبحوه هو وزوجته ذبح الشياه، فلم يكن له من أولياء ينصرونه وما كان من المنتصرين، وشاهدت سوهارتو الرئيس الإندونيسي يبكي أمام الميكروفون ويعتذر لشعبه بعد سنوات من الاستبداد والاستحواذ على خيرات إندونيسيا، ثم يحاسب هو وحاشيته حسابا عسيرا. وإن في هذه المشاهد وغيرها عبر التاريخ لبراهين ساطعة على عظمة ملك الملوك تقدس اسمه، وكيف تتحقق سنته في الظالمين كما قال تعالى: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ»، وشاهدت بن علي رئيس تونس المطرود المنبوذ بعدما أرهب شعبه وتفنن في أذية المسلمين وإغلاق المساجد وفتح المعتقلات. وكنت قبل عشرين سنة في مجلس سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الطائف مع أكثر من عشرين من العلماء والدعاة، فأمر الشيخ أن تقرأ علينا رسالة من السجون التونسية فيها صرخات الأسرى والمعذبين، وفيها من صنوف الابتلاءات ما يشيب له الرأس، ويتفطر له القلب. وقد أشرنا جميعا على سماحة الشيخ أن يكتب لجلاد تونس نصيحة سرية ينصحه ويذكره، وبعد مدة أخبرنا الشيخ بوصول رسالة من مفتي تونس الرسمي يدافع عن سيده، ويبرر أفعاله، ودارت الأيام - وما ربك بظلام للعبيد - فيخرج شعبه مكبرين كالبحر إذا انفجر، فما كان منه إلا أن فر بنفسه تاركا حاشيته وأعوانه وخدمه وحشمه ودوره وقصوره عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين. وشاهدت حسني مبارك يحيط به الشعب المصري كالريح الصرصر العاتية، يطالبونه بترك الحكم بعد سنوات من الاستبداد والفساد والكبت والإقصاء، فيؤخذ هو وزوجته وأبناؤه وحاشيته من القصور إلى المعتقلات، ليواجهوا الجزاء نفسه الذي تفننوا في إلحاقه بالشعب: «وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»، وشاهدت القذافي المصاب بجنون العظمة وداء الهستيريا يخير شعبه بين أن يحكمهم أو أن يقتلهم، وفي الأخير يجتمع عليه العالم فيقصف جوا وبرا، ويفر كالفأر من جحر إلى جحر في طريقه إلى الهروب أو القتل: «أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ»، ومما يهز الضمير ما فعله النظام السوري، حيث ينهزم أمام إسرائيل، ويسلم الجولان لجيش الصهاينة، ولا يطلق طلقة تجاه العدو، وكل الشعوب حررت أراضيها إما سلما أو حربا إلا النظام السوري؛ فإنه فر أمام جحافل الصهاينة، وترك لهم الأرض، ثم وجه جيشه إلى شعبه يحاصرهم ويقتلهم ويعتقلهم ويعذبهم وينتهك أعراضهم ويصادر حرياتهم، لكن الفرج قادم: «أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ».