خرج الشعب التونسي كالبحر الهادر، وكالعاصفة لا يرده شيء، ولا يخيفه شيء ولا يثنيه شيء؛ لأنه قرر أن يعيش حرًا كريمًا وخرج إلى الشارع يصرخ يقول: لا للظلم لا للقهر لا للاستبداد لا للكبت لا للإذلال، نعم للحرية، نعم للاستقلال، نعم للكرامة، نعم للعيش الشريف، إنه لمشهد هز ضمير العالم ووقف له أحرار العالم وشرفاء الدنيا مباركين وشاكرين ومقدرين، لقد صبر التونسيون سنوات طويلة وقد مُنعوا حتى من الصلاة في المسجد وحِيل بينهم وبين الحياة والعيش الكريم؛ فلا صوت إلا صوت واحد ورأي واحد وتفكير واحد وقبضة واحدة كما قال الله عن فرعون إنه قال لقومه: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، خرج الشباب التونسي المؤمن المتعلم المثقف يرفض الصوت والقيد والحبس ويطالب باسترداد إنسانيته وحياته وخبزه ووظيفته وتفكيره وعبادته وقلمه وكتابه ومستقبله، لقد حُرم التونسيون سنوات طويلة بشهادات حتى غير المسلمين، وقد سمعت في قناة العربية ترجمة لكتاب فرنسي عن الحالة التونسية وما مر به التونسيون من ظلم وقهر وكبت، فالإعلام والمال والوظائف والصحف والأحزاب والأراضي محتكرة لفئة واحدة فقط، وبقية الشعب للجوع والبطالة والإهمال والحبس والجلد والقتل والتعذيب، خرج التونسيون ليقولوا: آن لنا أن نفك القيد ونكسر الأغلال ونخرج إلى فضاء الكرامة والإنسانية والشرف والعيش النبيل والأمن والاستقلال الفكري والعقدي والنفسي، أخذ التونسيون شيوخًا وشبابًا وعجائزَ وأطفالًا يقفزون إلى الشارع يفتحون صدورهم للرصاص وهم يقولون: مرحبًا بالموت في سبيل الشرف والكرامة والحرية والعزة والاستقلال، أخذوا يهتفون بقول شاعرهم أبي القاسم الشابي: إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر وهذه سنة الله في عباده، فبعد الليل فجر صادق وبعد العسر يسرٌ، ولكل أزمة فرج من الله، لقد حاولت فئة في تونس أن تستولي على كل شيء وتستبد بكل شيء وتلغي ما سواها، وتُشطّب على شعب بأكمله، ولكن أمر الله نافذ وقدرته باهرة قاهرة، وقضاءه لا مرد له، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، شاب واحد في تونس حُرم الوظيفة ولقمة العيش ثم صُودِرت عربته وضُرب فأحرق نفسه فاحترقت تونس وانفجرت كالطوفان، ولهذا ذم الله الظلم وحذر منه وندد بأهله ومدح العدل وأشاد به؛ يقول سبحانه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى)، ويقول سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، يقول ابن خلدون في المقدمة: "والظلم مؤذن بخراب العمران وذهاب الدور"، من كان يتصور أنَّ الشباب العُزَّل يقابل السلاح والرصاص والدبابة والنار بصدره فيحطم ما أمامه ويعلن انتصاره ويقف العالم معه بأسره؟ إنه فجر جديد لتونس وعهد جديد ومستقبل جديد لا مكان فيه للاستبداد والإقصاء والإذلال والحرمان، آمل من الشعب التونسي العظيم أن يتحد وأن يتآلف وأن يحافظ على مقدرات تونس وأمن تونس ومستقبل تونس، وأن ينهي حالة الفوضى والنهب والسلب التي تأتي بعد كل ثورة، وألا يسمح لأحد من المخربين بسرقة انتصاره ونهب مكاسبه، وأن يحافظ كل تونسي غيور على وطنه وأمن شعبه ودماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وأن يقف التونسيون جميعًا لبناء دولتهم على منهج الإسلام وشريعة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، إلى الأمام أيها التونسيون وُفقتم وسُدِّدتم وبُوركت مساعيكم، والآن افتحوا مساجدكم ومدارسكم وجامعاتكم وأسواقكم وعقولكم وصدوركم للحق، لا تخافوا بعدها إلا الله وحده، واعلموا أنَّ شرفكم أيها التونسيون بين شعوب العالم أنكم شعب مسلم رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا.