في العشر الأواخر من رمضان تتسارع وتيرة الشراء، وتزداد زحمة الأسواق، والشوارع، والطرقات، وتكتظ المحلات بالمتسوقين، فما أسباب زحمة العشر الأواخر، ولماذا يصر السعوديون على تسوق اللحظات الأخيرة، نتعرف على ذلك من خلال استطلاع "سبق" التالي. حول عدم شرائها مستلزمات العيد قبل رمضان أو في بدايته تقول منيرة المرشدي الموظفة بوزارة الصحة ل "سبق": لا أحبذ فكرة شراء مستلزمات العيد في شهر شعبان أو في أول رمضان، لأنني أحب أن أشتري مع حلول الأيام الأواخر لهذا الشهر الفضيل حيث تعرض أحدث البضائع، والملبوسات المميزة المقاسات المناسبة لبعض أفراد الأسرة، وقبل نفاد الملابس التي على الموضة كما أنني لا أحس بطعم العيد إلا مع زحمة الأسواق والمحلات وفي تنقلي مع زوجي وأولادي ومشاركتنا في الاختيار والذوق، فالمثل يقول (حشر مع الناس عيد). أما الموظف بوزارة المالية سعود المقرن، فيرى أن الزحام في الأسواق أواخر هذا الشهر أصبح عادة لدى السعوديين، واستمتاع في قضاء الوقت في الأسواق برفقة العائلة وتجديد الروتين، وبطبيعة الحال كل هذا الأمر يحتاج إلى ميزانية غير عادية في ظل زيادة الأسعار والغلاء واستغلال التجار لهذه الفترة في التخلص من بضائعهم الكاسدة طوال العام مما يتطلب من وزارة التجارة متابعة الأسواق وحماية المستهلك. وتلتقط أطراف الحديث المعلمة أم بندر التي عبرت عن الأمر بقولها: بسبب شراء مقاضي رمضان الكثيرة لم أستطع توفير مبلغ لشراء ملابس لي ولأولادي فاضطررت أن أنتظر حتى الأيام الأواخر من هذا الشهر ريثما يتم صرف الراتب حتى استطيع التسوق وتلبية رغبات أطفالي بشراء ملابس جديدة، خصوصاً أن الأمر لم يعد يقتصر على الملابس فقط بل حتى اقتناء أحدث الجوالات ووسائل التقنية مما يثقل كاهلنا في التباهي والتبذير. وتؤكد أم بندر أنها تضطر للاستدانة أحياناً كي توفر لأولادها كل ما يحتاجونه بهذه المناسبة السعيدة. ومن جانبه يقول محمود رجب، مصري الجنسية، ل "سبق": "أعلم جيداً أن هذه الفترة من كل سنة هي موسم ويفضلها السعوديون للشراء والتجول في الأسواق، ولكن ترتفع أيضاً الأسعار وتتضاعف بشكل كبير". ويتابع: "أقتني كل ما أريد لأسرتي قبل رمضان في أيام التخفيضات حيث تكون البضاعة بنصف السعر، وأحسن جودة، وأغتنم الأيام الأواخر في العبادة وأتفادى الزحمة وغلاء الأسعار". ويختلف خالد العتيبي مع ما ذكره محمود رجب مؤكداً أن الشراء في العشر الأواخر متعة بالنسبة له وللعائلة التي ترافقه خاصة أن كثير من الأسر تنتظر إجازة رب الأسرة حتى تقضي العشر الأواخر من رمضان مع بعضها البعض في الجلسات والحديث والمشاركة والتجوال في الأسواق لاقتناء مستلزمات العيد، وفي تبادل الآراء حول جديد السوق على اعتبار أن الأسواق في رمضان تمثل وسيلة من وسائل الترفيه في المملكة. وعبر محمود بسيوني، بائع في أحد أسواق الرياض، عن رضاه وارتياحه لزحمة المحلات في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وقال ل"سبق": "أجمل اللحظات لدي هي زحمة العشر الأواخر من رمضان لأنها ميزة وسمة من سمات المسلمين لا ينافسهم أحد، وفيها ترى تجمع للعائلات على الخير والبركة في الشراء والبيع بأسعار معقولة". ويبرر بسيوني كثرة الزحمة بسبب صرف الرواتب الموظفين، وتفضيل بعض الزبائن انتظار هذه الفترة حيث تعرض المحلات أفضل سلعه، وتبدأ بالتنافس وإعلان خصومات قد تصل لنصف السعر لجذب أكبر عدد من الزبائن. ويرى أن التسوق للأسف يصرف المسلمين عن الصلاة والتعبد في هذه الأيام المباركة. ويحلل الباحث الاجتماعي بجامعة الملك سعود د. صالح الرويس، هذا النمط من الاستهلاك، بقوله: "للأسف أصبحت الزحمة جزء من ثقافة المجتمع السعودي فلا نشتري مقاضي رمضان إلا في آخر ليلة من شعبان، ولا نجدد الجواز إلا قبل السفر بيوم، ولا نفصل ثياب جديدة إلا قبل المناسبة بيوم، ولا نشتري مستلزمات المدارس إلا قبل الدراسة بيوم، ولا نخطط للسفر إلا قبل الإجازة بيوم..الخ، مما يجعلنا كشعب عرضة دائماً للاستغلال والغش من الآخرين بسبب هذه العشوائية المتكررة في كل عام". ويضيف د.الرويس أن ضعف التخطيط لدى الأسرة السعودية بل لدى الفرد السعودي بشكل عام يجعله سلبي لا يغتنم الفرص المتاحة ويقلل من استثمار مصالحه فيما يعود عليه بالنفع والفائدة والتوفير. ويطالب د.الرويس مؤسسات المجتمع المختلفة بإعطاء دورات اجتماعية ترفع مستوى الوعي لدى المجتمع السعودي، وتعزز جوانب التخطيط المسبق والتفكير الايجابي لديه في انجاز أعماله ومسؤولياته في وقت مبكر وعدم جعل الآخرين يستغلون عشوائيته والتكسب من ورائه. ويضرب د.الرويس المثل بما يدور هذه الأيام من ازدحامات خانقة في الأسواق، قائلاً: "بسبب عدم التخطيط الايجابي منذ وقت مبكر يحدث غزو الأسواق بهذه الكثافة من السعوديين مما يجعلهم فريسة سهلة لبعض أصحاب المحلات الذين يرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه ولا خيار أمام المستهلك إلا الشراء، وبعضهم يغش ويمرر أردى البضائع المكدسة في مخازنه ويسوقها على اعتبار أنها حديثة..الخ". ويطالب د.الرويس وسائل الإعلام بالمشاركة في تثقف المجتمع، وترتيب أولياتهم، والعمل على تغيير هذه الثقافة السلبية العشوائية والحرص على تطوير تفكيرهم والتخطيط المسبق لكل شيء.