يكشف الكاتب الصحفي فهد عامر الأحمدي في صحيفة "الرياض" أن بيت العنكبوت الذي وصفه القرآن الكريم بأنه "أوهن البيوت" ليس هو شبكة العنكبوت، كما يعتقد معظمنا، مشيراً إلى أن الخيوط التي ينسجها العنكبوت هي الأقوى على الأرض، ويرى الكاتب أن بيت العنكبوت هو العلاقات الأسرية السيئة بين أفراد العنكبوت. وفي مقاله "حقيقة أوهن البيوت" يقول الكاتب: "يعتقد معظمنا خطأ أن "شبكة العنكبوت" هي "بيت العنكبوت" الذي يعيش ويستقر فيه.. ولكن الحقيقة هي أن العنكبوت يعيش في كل مكان (وبالتالي قد يكون بيته داخل الجحور أو الشقوق والصدوع أو تحت الماء والصخور أو حتى في أعالي الجبال والأشجار).. أما شبكة العنكبوت التي نراها كثيراً في زوايا الجدران والمواقع المظلمة فهي مجرد مصيدة للفرائس تبنيها العنكبوت في موقع لا يبتعد عن بيتها كثيراً"، ويعلق الكاتب قائلاً: "هذه الحقيقة قد تمنحنا فهماً أفضل لحقيقة البيت الذي ورد ذكره في قوله تعالى: (كمثل الْعنكبُوت اتّخذتْ بيْتًا وإنّ أوْهن الْبُيُوت لبيْتُ الْعنكبُوت لوْ كانُوا يعْلمُون). فهذه الآية تشير صراحة إلى وهن بيت العنكبوت وأنه يأتي كأكثر البيوت ضعفاً وهشاشة.. ولكن ما نعرفه الآن أن العنكبوت قد يعيش داخل مواقع حصينة وصدوع صلبة أو على عمق كبير من سطح الأرض.. وحتى في حال الإصرار على أن البيت المقصود هو شبكته الحريرية، نشير إلى أن خيط العنكبوت (أقوى من خيوط الفولاذ وجميع المعادن المعروفة) من حيث مادته النقية وسماكته المجهرية.. فالخيوط الحريرية التي يفرزها العنكبوت لو جمعت في سماكة الأصبع لاستطاعت حمل طائرة ضخمة بكامل ركابها. فرغم أن خيط العنكبوت يبدو ضعيفاً وواهياً إلا أنه مقارنة بسماكته التي تقل 400 مرة عن شعرة الإنسان على درجة عالية من القوة والمرونة (لدرجة أن الجيش الأمريكي يصنع منها ملابس مضادة للانفجارات).. فهذا الخيط المصنوع من سائل بروتيني يتصلب عند ملامسته للهواء يمكنه التمدد إلى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع. أضف لهذا أنه (مقارنة بوزنه وحجمه) أقوى من الفولاذ 20 مرة ومن الألمنيوم 29 مرة وتبلغ قوة احتماله 300000 رطل للبوصة المربعة، وهو ما دعا العلماء إلى تسميته ب "الفولاذ الحيوي" أو "الفولاذ البيولوجي" أو "البيوصلب". ويمضي الكاتب متسائلاً: "السؤال هو: كيف نوفق إذاً بين "وهن البيت" في الآية الكريمة مقابل عيشه في مواقع منيعة وصلبة، ناهيك عن "قوة المادة" التي يبنى منها شبكته؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لاحظ أن كلمة العنكبوت وردت في الآية الكريمة بصيغة التأنيث لا التذكير (اتخذت بيتاً). فالعلماء لم يكتشفوا إلا مؤخراً أن أنثى العنكبوت هي من تتخذ البيت للسكن والتفريخ وهي من تفرز الخيوط الحريرية وتغزل شبكة الصيد للإيقاع بالفريسة.. وفي المقابل يقتصر دور الذكر على "المسيار" والارتماء عند قدمي الأنثى كي (تأكله) بعد انتهائه من تلقيحها.. وهذا المصير المخيف يوحي بأن المقصود في الآية الكريمة هو وهن البيت من الناحية الأسرية والأخلاقية، لا المادية والإنشائية.. فحتى بالمقارنة مع عالم الحشرات يعد بيت العنكبوت من "أوهن البيوت" من حيث الروابط الأسرية والمبادئ الأخلاقية وسيادة الخيانة والغدر والقسوة؛ فالأنثى تأكل الذكر بعد التلقيح وتأكل أبناءها بعد خروجهم من البيض كما يأكل الإخوة بعضهم البعض كلما سنحت لهم الفرصة! والتفريق بين وهن البيت (كوصف مجازي) وقوة المادة التي يبنى داخلها (ولا أقول: منها) يثبته استعمال الآية الكريمة لكلمة "بيت" يتم اتخاذه، وليس "خيوطاً أو شبكة" يتم صنعها عمداً، أضف لهذا أن وهن البيت في الآية الكريمة جاء في سياق ضرب المثل بمن يتخذ من دون الله أولياء حيث الصلات واهية والروابط متقطعة والغدر وارد في أي لحظة (مثلُ الّذين اتخذُوا من دُون اللّه أوْلياء كمثل الْعنكبُوت اتّخذتْ بيْتًا وإنّ أوْهن الْبُيُوت لبيْتُ الْعنكبُوت)! ومن هذا كله يتضح أن "أوهن البيوت" معنى مجازي يفوق في قوته أي مادة عرفها أو صنعها الإنسان!".