رحم الله أبا عمرو محمد صلاح الدين الذي طالما ردد: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). وما أكثر بيوت العناكيب التي اتخذها بعض الزعماء المخلوعين: منهم من رحل، ومنهم من ينتظر، وما تبدلت سنة الله تبديلًا. وما أوهن البيوت التي تم الاستنجاد بها بالرغم من الهيبة اللحظية التي تبدو على هذه البيوت، من قوة ومنعة وثراء ونفوذ. هكذا بدت بيوت العنكبوت التي دُفع لها بلايين الدولارات وأزهقت في سبيل إرضائها مياه الوجوه، وكرامة الشعوب، ومكانة الدول. خذوا العقيد الهالك مثلًا، وما أنفق من ثروات باهظة لتغطية سياساته البائسة وفشله الذريع، ولِكَبْتِ أنفاس شعبه المسكين. هذا البائس الفعلي عاش 42 عامًا يبني بيتًا كبيرًا كبيت العنكبوت ليحتمي داخله وقت الشدة وليعيش في حماه آمنًا مطمئنًا يعبث كيف يشاء ويفسد كيف شاء. نعم طال زمن بطشه وصلفه وغروره؛ لأنّ الشعوب نفسها هابت بيت العنكبوت الذي لجأ إليه الهالك، وليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وليتخذ من الجموع المظلومة الصابرة شهداء يضيئون طريق الحرية ويرفعون ألوية المجاهدة والمصابرة حتى يأتي وعد الله في اللحظة المناسبة والتاريخ المقرر منذ الأزل. وآخرون رأوا في الأنظمة الغربية المستعلية بيوتًا يحتمون في فنائها ويستظلون بظلها، فدفعوا لها أبهظ الأثمان دون تردد ولا نقاش، فكانت سياسة الإذعان الكامل لبيوت العنكبوت، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت. مرة أخرى هؤلاء لا يقرأون التاريخ ولا يفهمون جغرافيا السنن والنواميس؛ لأنّ الفطر منتكسة والقلوب خاوية والهمم ضعيفة لا تحسن إلا الغرف من الشهوات بكل قوة وعزم، وعلى رأسها شهوة المال وحب السلطان. ما أجمل المثل القرآني، وما أدق تعبيره اللغوي المحكم وتصويره الفني الرائع. هذا العنكبوت تحديدًا يقضي أوقاتًا طويلة يبني البيت الواهن بشهادة الله عز وجل الذي خلق فسوى وقدر فهدى. وكذلك يفعل المستبدون والطغاة بدلًا من تسخير الجهود والثروات لرفاهية شعوبهم وأوطانهم. هل من متعظٍ في دمشق أو معتبر في صنعاء، أم على قلوب أقفالها؟!!