صدحت تلبيات الحجاج القادمين إلى مشعر عرفات في أنحاء المشعر، ليعيد عليهم جبل الرحمة صدى تلبياتهم وكأنه يحدثهم قائلاً: "حج مبرور، وسعي مشكور". وفي وسط المشعر انهمرت دموع الحاج غلام شيبة "باكستاني الجنسية"، وطأطأ رأسه لخالقه رافعاً يديه يناجيه، جل جلاله. وحاول النهوض بعد أن جلس على حافة الطريق، لكن كبر السن والدموع المنهمرة والطمأنينة والأجواء الروحانية، ناشدته الجلوس مجدداً لبرهة من الوقت. وبعد أن هم الحاج بالوقوف التفت يميناً ويساراً بحثاً عن ابنته المسنة، فإذا بتلك الحاجة المسنة التي جاءت من بعيد تتكئ بجسدها على عكازين يحملانها لإكمال طريقها له، رافعة صوتها: "لبيك اللهم لبيك", فلما اقتربت منه قبّلت رأسه وجلست بجانبه، مطلقة العنان لدموعها بالانهمار على خديها اللذين عاصرا شمس حقب من الزمن، ليتساءل المارة عن سبب بكاء غلام وابنته عائشة. قال الحاج غلام: "منذ 84 عاماً وأنا أتمنى أن أقف هنا محرماً ملبياً حاجاً، قبل أن ينقطع نفسي في هذه الحياة، وها أنا أجد نفسي بين إخواني المسلمين من كل مكان، وأشاركهم أنا وابنتي لذة الإيمان". وأضاف: "عند جلوسي في المشعر رأيت مشاهد مؤثرة للغاية تسابقت فيها الدموع ولهجت فيها الألسن مستجيبة لنداء الخالق عز وجل، رغبة في ثوابه وخشية من عقابه". وأشاد الحاج غلام بالخدمات التي تقدمها الجهات المشاركة في حج هذا العام، وما تقدمه من خدمات على مدار الساعة، كما أشاد بدقة التنظيم ورحابة الطرق التي تربط بين مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة وتعددها، واستخدام التقنية الحديثة في تصميمها. ورفع شكره لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية -حفظهما الله- على ما يبذلانه من اهتمام بكل ما من شأنه خدمة للإسلام والمسلمين، داعياً الله أن يلبسهما الصحة وتاج العافية. وقالت ابنته عائشة: "إن ما شاهدناه من تطور وتنظيم رائع يعكس مدى اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بحجاج بيت الله الحرام، وحرصها على تيسير وتسهيل مناسك الحج". وأضافت: "كنا إذا رجع أحد من أقاربنا من الحج نتسابق إليه لمشاهدة الهدايا التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين، من مصاحف وكتب علمية عن الإسلام، وليحدثنا عما شاهده في الحرمين الشريفين من تطور وتقدم، وفي المشاعر المقدسة". وأكدت أن جميع الحجاج كانوا يبدون إعجابهم بما يرون وما يجدونه من تعامل راق من إخوانهم في المملكة، مبينة أنها عندما جاءت مع والدها إلى المملكة لقيا من الجميع كل تقدير واحترام. وأضافت: "نحن في باكستان نثمن لحكومة وشعب المملكة كل المبادرات الإنسانية التي قدمتها لنا في وقت الأزمات". ونقلت تحيات وتقدير جميع الحجاج الباكستانيين لإخوانهم في المملكة.