أكد الدكتور أسامة بن عبدالله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام، في خطبة الجمعة اليوم، أن أعظم صور الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم شأناً وأشرفها مقاماً، أداءُ حقه سبحانه بتحقيق التوحيد الذي هو أعظم أوامر الدين. وقال "خياط": "علوّ القدر، وسموّ المنزلة، توجِبان كمال الطاعة وقوة الاستجابة، وإذا اقترن هذا العلوّ والسموّ بالإنعام والمنن والإكرام، كانت الطاعة للمنعم أتمّ، والاستجابة له فيما يأمر وينهى أكمل وأقوى وأجمل، وإذا كان هذا مما تَقَرّ به العقول السليمة، وتُذعن له النفوس السوية في حق المخلوق العاجز الفاني؛ فما الشأن بحق الخالق الرازق المنعم القوي الباقي الذي لا نِدّ ولا نظير له في العلو، علوّ الذات وعلوّ القدر وعلوّ القهر، الذي لا نِدّ ولا نظير له أيضاً في جلال النعم، وكمال المنن".
وأضاف: "الاستجابة له سبحانه يجب أن تبلغ الذروة؛ مما يُعنى به العبد، ويقصد إليه، وأن يكون في الطليعة من واجباته وخططه ومهمات حياته، وإن أعظم الاستجابة لله وللرسول شأناً وأشرفها مقاماً أداء حقه سبحانه بتحقيق التوحيد الذي هو أعظم أوامر الدين، وأساس الأعمال، وروح التعبد، وعماد التقرب، وقاعدة الإزلاف إليه عز وجل، والغاية من خلق الإنس والجن، في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}".
وأردف: "التقرب إلى الله يتم بواسطة النوافل بعد الفرائض، ودوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل، وإيثار محابّ الله على كل ما سواها من المحابّ، واستحضار نعم الله وبره وإحسانه على عباده، وانكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، والخلوة به سبحانه وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر لمناجاته وتلاوة كتابة، وختم ذلك بالتوبة والاستغفار، ومجالسة المحبين الصادقين، والتقاط فوائد كلامهم، والانتفاع بسمتهم ونصحهم، والتجافي عن كل سبب يحول بين القلب وبين الرب عز وجل وتطهيره من الغل والحقد والحسد، والعجب وسائر أمراض القلوب وعللها".
وتابع: "من أعظم موانع الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم؛ ما عُرف عند أهل العلم بمفسدات القلب الخمسة ألا وهي التعلق بغير الله، وركوب بحر التمني، وفضول النظر، والكلام، والأكل".
وقال "خياط": "كشَف ابن القيم أن أعظم هذه المفسدات هو التعلق بغير الله؛ فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه؛ فإنه إذا تَعَلّق بغير الله وَكَلَه الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيله من الله عز وجل وتعليقه بغيره والتفاته إلى ما سواه؛ فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل؛ فأعظم الناس خذلاناً مَن تَعَلّق بغير الله؛ فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظمُ مما حصل له ممن تعلق به، وهو مُعرّض للزوال والفوات.. وبالجملة فأساس الشرك وقاعدته التي بُنِيَ عليها التعلق بغير الله، ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: {لا تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً}، مذموماً لا حامد لك، مخذولاً لا ناصر لك، عياذاً بالله من ذلك".
وأوصى إمام الحرم المكي المصلين في ختام الخطبة بتقوى الله عز وجل، والحذر من كل سبب يُبعد القلب عن الرب سبحانه، ويحول بينه وبين الاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم.