انتقل إلى رحمة الله تعالى الوزير والسفير السابق هشام بن محيي الدين ناظر. "سبق" التي آلمها النبأ تقدم العزاء والمواساة لأبناء الفقيد وأسرته، سائلة المولى - عز وجل - أن يتغمده بواسع رحمته.
والوزير السفير السابق تولى مناصب قيادية عدة، منها منصب وزير التخطيط، وزير البترول والثروة المعدنية وسفير السعودية في دولة مصر الشقيقة.
وفيما يأتي سرد السيرة العطرة والبصمات للراحل نقلاً من تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية قبل سنوات قليلة:
هشام محيي الدين ناظر، الأكاديمي والوزير والسفير، رجلٌ عاش حقبة "الأوائل"، وكان صاحب بصمات لا تنسى على كل منصب مر به. شارك "الأوائل" في وضع لبنات التأسيس لبلادنا؛ فكان حقه علينا أن نروي لأجيالنا عنهم.
لم يكن "ناظر" بالشخصية المتناقضة؛ فقد كان وضوحه مع نفسه كفيلاً بإنجاح أي عمل يكلَّف به، بل جمع النجاح مع هواياته الفكرية التي كانت تتمحور حول الحركة الثقافية وتداعياتها في العالم العربي، وما يكلَّف به من عمل اقتصادياً كان أو سياًسيا، وكان شغفه بالعمل والنجاح يجيز له الوصول إلى نقاط أبعد مما يرسمها له الآخرون؛ فلم يترك منصباً وينتقل إلى آخر حتى يضع بصمته التي تستفيد منها الأجيال التي تأتي بعده بشكل واضح. وما إن يباشر عمله في منصبه الجديد حتى يضع بصمته التنظيمية بكل ثقة. يعرف ما يريد منه رؤساؤه، وماذا عليه أن يفعل.. يحب الاختلاط كثيراً بعقول نظرائه من المثقفين، وهو رغم سعة ثقافته إلا أنه يحب مخالطة ذوي الألباب، والاستفادة من خبراتهم أياً كان عُمْر هذه الخبرة أو قدراتها؛ لذلك كان أديباً وكاتباً لا يشق له فكر، إضافة إلى كونه إدارياً محنكاً وسياسياً خبيراً، جمع في مشواره ألقاباً رسمية مختلفة، إلا أن الشيء الذي اتفقت عليه هذه الألقاب جميعها هو حب الرجل للنجاح.
وُلد هشام ناظر في مدينة جدة، وتلقى تعليمه الأساسي في كلية فيكتوريا في الإسكندرية، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة كاليفورنيا، وتحديداً في مدينة الأضواء الشهيرة "لوس إنجلوس"، حيث حصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في العلاقات الدولية عام 1957م، وعلى الماجستير في العلوم السياسية عام 1958م، كما منحته جامعة كوريا الدكتوراه الفخرية عام 1976م، وكذلك منحته الجامعة الأمريكية في القاهرة الدكتوراه الفخرية في القانون عام 1991م.
بدأ ناظر حياته الوظيفية العامة في قطاع البترول. وفي عام 1961م كان أول محافظ يمثل الحكومة السعودية في مجلس محافظي منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، كما كان أول وكيل لوزارة البترول والثروة المعدنية من عام 1962م إلى 1968م.
ثقة الملوك عيَّنه الملك فيصل - رحمه الله - رئيساً للهيئة المركزية للتخطيط بدرجة وزير عام 1968م، وهي الهيئة التي كانت نواة لوزارة التخطيط فيما بعد، ثم عيَّنه وزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء عام 1970م، وكان مكلفاً بوضع الخطوط العريضة لخطط التنمية الاقتصادية من خلال خطط خمسية متتابعة. وعندما تحولت الهيئة المركزية للتخطيط عام 1975م إلى وزارة التخطيط أصبح أول وزير لها، ووضع الخطط الخمس الأولى للمملكة للأعوام 1970 1995م.
أعماله الاقتصادية أكدت الخطط ضرورة تنويع الاقتصاد، وخلق بدائل إنتاجية، إضافة إلى تلك المستنبطة من البترول ودفع القطاع الخاص للعب دور أكبر في النمو الاقتصادي للمملكة. كما أكدت الخطط تطوير القوى البشرية من خلال التعليم والتدريب. وكان حجر الأساس في هذا المجال هو قيام مدينتين صناعيتين في كل من الجبيل وينبع تحت إشراف هيئة ملكية، رأسها الملك فهد - رحمه الله - شخصياً. وبحكم كونه نائباً للرئيس ومديراً تنفيذياً فقد نهض الوزير ناظر بأعباء بناء المشروع منذ بدايته. واليوم تسهم هذه المجمعات الصناعية الجديدة بما يعادل 7 في المائة من الطاقة الإنتاجية في العالم من المنتجات البتروكيميائية، كما تسهم في قيام صناعات ثانوية ومن درجة ثالثة تابعة لها.
حقيبة البترول في عام 1986م كُلِّف الوزير ناظر بتولي حقيبة البترول إضافة إلى عمله وزيراً للتخطيط، وقد استمر في حمل الحقيبتين معا لمدة خمس سنوات إضافية. وعندما أصبح وزيراً للبترول والثروة المعدنية أشرف على برنامج ديناميكي لتكامل صناعة النفط مع الصناعة العالمية في مجالات النقل والتكرير والتسويق، كما أكمل شراء شركة "أرامكو" للحكومة السعودية عام 1989م، وعيَّن إدارة جديدة لها. وبحكم منصبه أصبح أول رئيس مجلس إدارة سعودي للشركة الجديدة "أرامكو السعودية"، التي تعد كبرى شركات البترول في العالم.
مساهماته في "أوبك" على المستوى العالمي نجح في إيجاد وسيلة اندماج فعالة مع الصناعة النفطية العالمية من خلال إعادة بناء قطاع البترول السعودي. وقد كانت اتفاقية الشراكة مع شركة "تكساكو" في الولاياتالمتحدة هي الأولى من نوعها في عملية إعادة البناء. وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في كانون الثاني (يناير) 1989م مع بداية دخول السعودية مجال تكرير المنتجات البترولية وتسويقها على نطاق عالمي.
وبشكل مماثل تم تطبيق الاستراتيجية نفسها مع كل من كوريا، اليونان والفلبين؛ إذ شاركت السعودية في مشاريع مصافٍ مشتركة، وصل إنتاجها إلى أكثر من مليون برميل يومياً من البترول السعودي المكرر، إضافة إلى 600 ألف برميل يومياً من الطاقة التكريرية في مشروع "استار" المشترك في الولاياتالمتحدة. وبشكل متزامن قامت شركة "أرامكو السعودية" بشراء أو بناء أكثر من 23 ناقلة من الصهاريج الضخمة لنقل جزء من بترولها.
تطوير التعليم بالتلازم مع تطوير التعليم العالي في السعودية، عمل الوزير ناظر في مجالس معظم الجامعات السعودية، كما قام بالتدريس في جامعة الملك سعود في الرياض، ولعب دوراً فعالاً في قيام كل من جامعة الملك فهد للبترول في الظهران وجامعة الملك عبد العزيز في جدة، إضافة إلى عضوية مجلس المستشارين لجامعة كاليفورنيا في لوس إنجلوس، التي منحته شهادة (الإنجاز المدني) عام 1989م.
أوسمته منحته كثير من الدول أرفع الأوسمة، منها: بلاده السعودية، بريطانيا، فرنسا، الدنمارك، إسبانيا، فنزويلا، مصر، اليابان، الصين وكوريا.
ومنذ عام 1995م واصل الوزير ناظر نشاطه مستشاراً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، هيئة الاستشاريين العالمية لجامعة كولومبيا وهيئة أمناء كلية بيتزر في الولاياتالمتحدةالأمريكية.
مؤلفاته كان أول مؤلفاته كتاباً بعنوان "قوة من النوع الثالث"، تم نشره في الولاياتالمتحدة عام 1999م بواسطة بريجر، وقامت "المدينة" بترجمته وتوزيعه في المملكة العربية السعودية. ثم يعود الوزير ناظر إلى الخدمة العامة؛ ليكون سفيراً للمملكة العربية السعودية لدى جمهورية مصر العربية عام 2005م.
تكريمه الدولي في عام 2006م قام وفد الاتحاد الفيدرالي للسلام في الشرق الأوسط والأممالمتحدة وجامعة الدول العربية برئاسة سالي كادر بتسليم بتكريم سفير خادم الحرمين الشريفين الدكتور هشام محيي الدين ناظر بجائزة السلام العالمي. وكان مركز إعلام الأممالمتحدة في القاهرة قد أعلن في وقت سابق من شهر أيلول (سبتمبر) 2006م ترشيح سفير خادم الحرمين الشريفين لنيل الجائزة نظراً للدور الرائد الذي تقوم به السعودية من أجل نشر وترسيخ مفهوم السلام العالمي، ونشر الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ونظراً لإسهامات الدكتور هشام في مجال العمل العام السابق والدبلوماسي من أجل نشر السلام العالمي، وجهوده المتميزة منذ أن تولى مهام منصبه سفيراً للمملكة لدى مصر، ونظراً للسيرة الذاتية الشخصية التي تنمّ عن منهجية راسخة من أجل تحقيق السلام العالمي والمحلي.
وقد جرت مراسم التسليم تحت رعاية عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية، والمستشار أحمد الفضالي رئيس المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين العالمية، والأمير تركي بن عبد العزيز آل سعود. وكان يصادف استلام الجائزة اليوم الوطني للمملكة ال76.
أعماله في مصر عمل السفير الدكتور هشام ناظر على تطوير سفارة خادم الحرمين الشريفين في مصر؛ فقد طوّرها على الأجلَيْن القصير والطويل، وأبهر الكثير بتطويره لها في وقت قصير. ومن يذهب هناك يجد تغيرات جذرية في المستوى الخدمي، والتطور الكبير في التنظيم، والسلوك الإنساني في التعامل. فمن حيث الخدمات القنصلية تطورت إلى مستوى نفتخر به؛ إذ أُعدت الصالات المجهزة والمكيفة والمدعومة بأعداد جيدة من الموظفين والمراقبين المدربين لخدمة مراجعي القنصلية من الشعب المصري للحج والعمرة وتأشيرات العمل، وخُصصت صالة أخرى على مستوى عالٍ جداً من التجهيزات اللائقة للمواطنين السعوديين المراجعين للقنصلية لأمور تتعلق بهم، سواء عمالية أو تجارية أو تتعلق بالرعايا السعوديين المقيمين في جمهورية مصر العربية.
الثقافة في حياته يعتبر السفير والوزير والدكتور هشام ناظر من أشد المحبين للثقافة والحركة الأدبية في العالم العربي؛ فقد أقام أخيراً أولى الجلسات الأسبوعية التي نوى أن يقيمها في مقر إقامته أسبوعياً بهدف نشر الثقافة والأدب. ويحرص المسؤولون المصريون أو العرب الموجودون في القاهرة على حضور جلساته التي تدعم الحراك الثقافي العربي. وكان محباً وشغوفاً لزيارة أدباء العرب، من أمثال الكاتب العالمي نجيب محفوظ؛ لكي يناقش معهم المسيرة الأدبية والفكرية للكتّاب العرب. كما كان يستمع هشام ناظر لرأيهم وتقييمهم للحركة الأدبية والثقافية في المجتمع السعودي، ويحرص على الاستفادة منها لصالح أبناء بلده من الأجيال الجديدة المهتمة بالثقافة والتيارات الجديدة للقصة والرواية والشعر.
وكان الوزير ناظر قد عمل سفيراً في مصر حتى عام 2011، فيما وافاه الأجل اليوم السبت 14 نوفمبر 2015.