شدد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي، على أن التوحيد وحقائقه هو السياج المنيع للأمة من كل انحراف عقدي وفكري أو تحلل سلوكي وأخلاقي، وأن كلمة التوحيد توحّد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتجمعهم ولا تفرقهم وتألف بين قلوبهم في محبة وإخوة وتعاطف وتناصر وتمنعهم من التفرق والنزاع والشقاق، مؤكدًا أن الأمة لن تبلغ النصر والتمكين إلا بتوحيد الكلمة على توحيد الكلمة وتحقيقها قولاً وعملاً وسلوكاً ومنهجاً؛ حيث أدى المصلون صلاة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة في أجواء روحانية وإيمانية تسودها الطمأنينة والأمن والأمان. وأقسم إمام وخطيب المسجد الحرام، في أول خطبة له بعد صدور موافقة مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله على مشاركته إماماً في الخطابة بالمسجد الحرام، يقول: "والله الذي لا إله غيره ليفتحنّ الله على الأمة أفراداً ومجتمعات بركات من السماء والأرض إذا أقامت حياتها وإعلامها ومناهجها على التوحيد وحقائقه ومحكمات الشريعة وجعلتها منطلق الحضارة والرقي".
وأضاف: "منهج العقيدة الصحيحة هو العاصم بإذن الله من قواصم الغلو والتطرف والتفجير والتكفير التي نتج عنها سفك الدماء البريئة في المساجد وغيرها وتكفير المسلمين أفراداً ومجتمعات وحكومات "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ" لهم الأمن العقدي والفكري والنفسي والاجتماعي والهداية التامة لكل ما يحقق لهم مصالح دينهم ودنياهم".
وحذر فضيلته من أناس كرهوا العقيدة وألصقوا بها التطرف والإرهاب واستكثروا العناية بها والحرص عليها تعلّقاً وتعليماً ودعوة فكانوا كما قال تعالى: "وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" وما علموا أنه لا صلاح للنفوس والقلوب إلا بأن يكون الله هو مولاها وإلهها وربها ومفزعها وملجأها عند الشدائد والأهوال وفي كل الاحوال ."
وأكد "الغامدي"، على أن التوحيد أول الدعوة وأساسها وروحها وعمادها وهو بداية الإسلام وختامه والقرآن كله من أوله لآخره إنما هو دعوة إلى التوحيد وتحقيقه وتربية القلوب والعقول علي حقائق التوحيد ومعانيه والتحذير الشديد من الشرك وصوره "إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ " فكل القرآن الكريم حديث عن التوحيد وحقوقه وواجباته فلا عجب أن يكون التوحيد هو سر القرآن ولبّه .
وأردف: "إن التوحيد هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا أزكى ولا أعدل منها، كما أن الشرك هو أخبث الخبائث وهو طارئ ودخيل على البشرية حيث خلق الله عباده حنفاء على ملة التوحيد فكانت البشرية من بعد آدم عليه السلام على التوحيد عشرة قرون كما قال ذلك ابن عباس رضى الله عنهما".
وأضاف: "إن حقيقة التوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام هو إفراد الله بكل ألوان العبادة والتوجه إليه سبحانه وحده بالقصد والعمل ومعرفته سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله فتنجذب إليه الأرواح والقلوب وتقطع التعلق بمن سواه كائناً بمن كان وتحرر النفوس من عبودية الشهوات ورق الشبهات وأسر المطامع والأهواء وتتخلص القلوب من الخضوع للمخلوقين والعمل لأجلهم رجاء وخوفاً وطمعاً وتوقن الأفئدة إيقاناً لاشك فيه أنه لا رازق إلا الله ولا مدبر ولا مصرف للكون غير الله ولا معين ولا ناصر ولا مانع ولا معطي ولا رافع ولا خافض ولا محي ولا مميت إلا الله وحده لا شريك له".
وأكمل يقول: "إن القلب إذا امتلأ بحقائق الايمان وتوحيده ومعرفة الله وإجلاله صفا وأشرق واستنار وعلم حقيقة الدنيا وحقيقة وجوده في هذه الحياة فيعيش في سعادة وانشراح صدر ولذة ونعيم ويصبح ويمسي ولا همّ له إلا ربّه سبحانه ، فلا يرجو إلا الله وحده ولا يخاف إلا من الله وحده ولا يعطي ولا يمنع ولا يغضب ولا يرضى ولا يوالي ولا يعادي إلا لله ومن أجل الله سبحانه وتعالي".
وتابع غمام وخطيب المسجد الحرام: "إن التوحيد يا مسلمون تسليم واستسلام لله وخلع وقطع لكل شهوة تخالف الأمر أو شبهة تعارض الخبر أو اعتراض علي شرع او قدر"، مضيفاً: " ولا يزال التوحيد الصادق يطهر القلوب ويصفّيها من أمراضها وآفاتها ويتدرج بها في مقامات الكمال حتى تصبح بيضاء نقية كالسراج المزهر لا تضرها فتنة ما دامت السموات والأرض".
وزاد "الغامدي": "يا مسلمون ..يا عباد الله .. إن التوحيد والعقيدة الصحيحة سفينة النجاة من ركبها نجا من ظلمات الشرك وأهوال الوثنية وسلم من تخبطات الإلحاد وآلام البعد عن الله وشقاء النفوس التي لم ترضى بالله رباً وإلهاً ومدبراً حكيما".W
وأشار إلي عظم العبرة التي حملها خطاب مؤمن آل فرعون حين نادى قومه فقال: "َيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله إِنَّ الله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ".
وخاطب إمام وخطيب المسجد الحرام ضيوف الرحمن "دونكم يا حجاج بيت الله موسم الحج معلمة التوحيد الكبرى ومدرسة العقيدة العظمى فعبادة الحج من أجل العبادات التي تتجلى فيها حقائق التوحيد ومعانيه ودلائله" مؤكداً أن مناسك الحج وشعائره آيات بينة ودلائل علي العلاقة الراسخة حيث إن من أعظم مقاصد الحج وتكراره كل سنة إعلان التوحيد وترسيخه في القلوب وإقامة ذكر الله ."
يُذكر أنه قد صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين على مشاركة الدكتور خالد الغامدي في الخطابة بالمسجد الحرام؛ حيث صرح بذلك الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الجمعة قبل الماضية، بصدور موافقة مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله على مشاركة إمام المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي في الخطابة بالمسجد الحرام.