ارتبط المكيون في ليلة الختمة في التاسع والعشرين من الشهر الكريم ارتباطاً وثيقاً في الحرص على الحضور مبكراً والإفطار وهم يعرفون أن المسجد الحرام والساحات المحيطة به سوف تكتظ بأهالي مكة؛ لذا يتوافدون من كل شعاب مكة. وفي هذه الليلة من لا يدرك الإفطار فيه سوف تقل فرصه لحجز موقف لصلاة الختمة، واعتادوا ومنذ عقود، وما زال هذا الموروث عالقاً في أذهان الصغار قبل الكبار، وهم يستحضرون مشاهد ذهابهم إلى المسجد الحرام بمرافقة أسرهم من وقت مبكر للمسجد الحرام.
وتعتبر ليلة استثنائية تقوم الجهات الأمنية والخدمية بالاستنفار، وتسخير كامل طاقاتها البشرية لتوفير الأمن والسلامة، وتوفير النقل المروري بشكل كثيف، وتنفيذ الخطط الوقائية لخدمة قاصدي البيت العتيق، وتهيئة الأجواء الروحانية، وسبل الراحة، حتى أداء صلاتهم وهم محفوفون بالرعاية الكريمة من ولاة الأمر، وحتى موظفي رئاسة الحرمين الشريفين.
وأوضح الباحث في الفقه المقارن الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله السبر، أنه كان يصلي بالمسجد الحرام أئمة بحسب المذاهب الأربعة، وفي عام 1345ه اتفق أئمة الحجاز ونجد في جمع المسلمين في صلاة الفروض والتراويح، واستمروا على ذلك حتى جاء أمر الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمة الله عليه- بإمامة الشيخ عبدالله الخليفي بالمصلين في صلاة التراويح عام 1373ه، وبدأ يختم القرآن بهم في المسجد الحرام.
وتابع: "استمر على ذلك، وكان يقنت في العشر الأواخر بالمسجد الحرام مرتين: واحدة في صلاة التراويح والقنوت الآخر في صلاة التهجد؛ مراعاة للمعتمرين المسافرين، ليدركوا الوتر".
وأردف: "قبل وفاة الشيخ الخليفي بأربع سنوات ألغي القنوت مرتين، وأصبح مرة واحدة في صلاة التهجد آخر الليل؛ عملا بحديث (لا وتران في ليلة)".
وأضاف: "استمرت الختمة على ما هي عليه، ولم يتغير وقتها في ليلة التاسع والعشرين، وقبل وفاة الشيخ الخليفي قد ختم مرة من المرات في ليلة 27 من الشهر الفضيل".
وأوضح: "بعد وفاة الشيخ الخليفي عام 1414 خلفه الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، والذي تم تعيينه إماما للحرم عام 1404ه، واستمر من ذاك الوقت وهو يصلي بالمسلمين ويختم بالقنوت في ليلة 29 من الشهر الكريم وحتى هذا العام، ويدعو في هذه الليلة الفضيلة ما بين 15 إلى 25 دقيقة، وأسأل الله أن يتقبل دعاء المسلمين في كل مكان وزمان".
وأشار إلى سؤال وجه للشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- عن: حكم تتبع الختمات في المساجد؟ فأجاب: "هذا له أسبابه، فإذا كانت رجاء قبول الدعاء؛ لأن الله جل وعلا قد وعد بالإجابة وقد يجاب هذا ولا يجاب هذا، فالذي ينتقل إلى المساجد إذا كان قصده خيراً لعله يدخل في هؤلاء المستجاب لهم يرجو أن الله يجيبهم ويكون معهم فلا حرج في ذلك إذا كان بنية صالحة وقصد صالح رجاء أن ينفعه الله بذلك ويقبل دعاءهم وهو معهم".
كما سئل ابن باز -رحمه الله- ما حكم السفر إلى مكةوالمدينة لقصد حضور الختمة؟ فكان الجواب: السفر إلى مكة أو المدينة قربة وطاعة، للعمرة أو للصلاة في المسجد الحرام أو للصلاة في المسجد النبوي في رمضان وفي غيره بإجماع المسلمين ولا حرج في هذا؛ لأن حضور الختمة ضمن الصلاة في الحرمين وقد يكون معه عمرة فهو خير يجر إلى خير.