بات كرسي رئاسة تحرير الصحف هو الأكثر سخونة في المملكة، على الرغم من المكانة الاجتماعية الرفيعة التي تحيط بمن يناله شرف الجلوس على ذلك الكرسي، حيث يعده عديد من الصحفيين الهدف الوظيفي الأسمى في حياتهم المهنية. ومع تقلباته المتكررة وسرعة انحنائه للعواصف، صار أبناء صاحبة الجلالة يخشون تبعات الجلوس على هرم الصحف في ظل عدم الاستقرار المحيط بها، حيث شهدت وسائل الإعلام المقروءة خلال الأعوام الثلاثة الماضية تقلبات وتغييرات ولم تتوقف حتى عصر أمس، عندما ترجل تركي السديري من قيادة صحيفة الرياض، وتسنم الدكتور عثمان الصيني هرم صحيفة الوطن.
أسباب التغيير وتتنوع أسباب سرعة تغيير رؤساء التحرير، فمن الأخطاء القاتلة التي لا تغتفر في بلاط صاحبة الجلالة، إلى الخلافات مع مجالس الإدارات والتي يضطر معها رؤساء التحرير إلى الإنحاء لعاصفتها الهوجاء أو المغادرة بقامة مرفوعة.
وفي مرات قليلة يحدث التغيير بحثًا عن مكان أكثر هدوءًا ودعة بعد فترة حالكة من الإنهاك الفكري والقلق اليومي، وفي أحيان نادرة جدًا يتمحور السبب حول قناعة الرئيس بما قدم خلال سنوات عمله الماضية ولعل ذلك أحد أسباب استقالة السديري بعد عقود من إدارة شؤون صحيفته الشهيرة.
هذه الأسباب تدعو رؤساء التحرير لممارسة أعمالهم بحذر شديد، في ظل وقوعهم بين مطرقة الخوف من الأخطاء القاتلة، وسندان المهنية الصحفية التي تتطلب أحيانًا المغامرة وهو ما قد يكلفه منصبه وراتبه المرتفع الذي يتقاضاه شهريًا.
الخطوط الحمراء طلال آل الشيخ المدير التنفيذي لقناة العرب بالسعودية، والذي كانت له تجربة الجلوس على مقعد رئاسة تحرير صحيفة الوطن لما يقارب الأعوام الثلاثة قال ل"سبق" : موقع رئاسة التحرير موقع صعب وصاحبه لا يعرف الراحة كثيرًا ودائمًا ما يعمل تحت الضغط، خصوصًا لمن يبحث عن العمل المهني الجيد لخدمة وطنه ونقل هموم المواطنين بصورة شفافية لقيادة البلاد.
وعن سبب عدم استقرار الكرسي وتغييرات الرؤساء السريعة قال: الأمر يختلف من موقع لآخر، فهناك رؤساء تحرير أراحوا أنفسهم وركزوا جل تفكيرهم على الإعلانات وحولوا صحفهم لنشرة علاقات عامة ولذلك تجدهم يمكثون سنوات طوالاً دون تغيير.
وأضاف: أعتقد أن من أسباب التغيير عدم وضوح الخطوط المهنية والرقابية بشكل كامل وعدم حساب كل المعطيات التي تحيط بالصحيفة، لذلك على الرئيس المهني أن يتعامل بذكاء وفطنة.
ويؤكد "آل الشيخ" أن الوضع الإعلامي خلال الفترة الحالية أكثر انفتاحًا وهناك تشجيع لطرق قضايا لم تطرق سابقًا، فالقيادة العليا يهمها أن يتعاون الجميع للكشف عن أي خلل بحثًا عن علاج ناجع.
تقلبات الصحف وبنظرة خاطفة لمن يتربعون على كراسي الصحف الساخنة، يبدو جليًا أن أغلبهم لم يكمل العامين منذ جلوسه على عرشه الصحفي باستثناء صحف الجزيرة والمدينة والبلاد والتي تسير بهدوء تام دون ضجيج، في حين شهدت باقي الصحف تغييرات سريعة في رأس الهرم التحريري حتى بات البقاء لثلاثة أعوام متتالية منجزًا رائعًا لمن ينجح في تحقيقه.
فعكاظ التي ودعها الدكتور هاشم عبده هاشم في مارس 2015م وكُلِف حينها نائبه محمد الفال والذي يحمل خبرة عريقة في عدة صحف محلية حتى تم تعيينه رسميًا منذ عدة أيام، بعد تسريبات بدأت بخبر تعيين جميل الذيابي من رئاسة عكاظ، وتهافت المهنئون عليه وتخصيص صفحة كاملة لتهنئته بالمنصب الجديد في إحدى الصحف المحلية، قبل أن تنشر عكاظ خبرًا رسميًا يعلن تعيين محمد الفال رئيسًا للتحرير لتقطع الشك باليقين.
اضطرابات صحفية عدم استقرار مقعد الرئيس ليس حكرًا على عكاظ، ففي جنوبي المملكة حيث صحيفة الوطن والتي استمر رئيس تحريرها السابق طلال آل الشيخ لثلاثة أعوام كانت بمثابة الفترة الأطول لرئيس تحرير منذ صدورها، ما لبث أن استقال مطلع العام الجاري وتولى المهمة نائبه ماجد البسام حتى صدر قرار تعيين الدكتور عثمان الصيني رئيسًا للتحرير، والذي بدوره- الصيني- كان قد استقال مطلع العام من صحيفة مكة ولم تفلح محاولات إقناعه بالبقاء وغادر تاركًا وراءه الصحيفة في أيدي رئيس تحريرها المكلف علي الزيد والذي يقودها باقتدار منذ سبعة أشهر.
على الساحل الشرقي، كانت صحيفة الشرق مسرحًا لعديد من التقلبات التي بدأت باستقالة قينان الغامدي منتصف 2013م ما لبث أن سار على دربه خليفتاه جاسر الجاسر وسعيد معتوق، ثم تولى خالد بو علي المدير العام عمل رئاسة التحرير وما زال مكلفًا بالمهمة المستحيلة، وفي المدينة نفسها اضطلع الخبير عبدالوهاب الفايز برئاسة تحرير اليوم منذ عام ونصف العام ولا يزال يسير بها بعيدًا عن العثرات والأخطاء التي لا تغتفر، ويقتفي أثره عبدالرحمن المنصور الذي للتو أكمل عامه الأول رئيسًا لتحرير الاقتصادية، بعد تعيينه خلفًا لسلمان الدوسري الذي بدوره وقع عليه اختيار شركة الأبحاث رئيسًا لتحرير الصحيفة الدولية الشرق الأوسط.
يم البطالة هذه التغييرات السريعة والمفاجئة تجعل أبناء المهنة يفكرون مليًا قبل قبولهم بتولي مهمة الربان في سفنهم الصحفية، خوفًا من سرعة إلقائهم في "يم البطالة"، وحينها سيصبح العودة في منصب صحفي أقل من "رئاسة التحرير"، ضربًا من الإهانة الشخصية التي لا يقبل بها إلا يائس.