- أسرة الحوثي تتحمل المسؤولية التاريخية عن تغلغل النفوذ الإيراني في اليمن. - اقتصر تعليم علي صالح على الكتاتيب، أما "الحوثي" فلم يتلقّ أي تعليم نظامي. - والد عبدالملك الحوثي ولاه قيادة الميليشيا تمهيداً لتنصيبه حاكماً على اليمن. - "الحوثي" ليست له أي دراية بالعلوم الحديثة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات. - يفرض "الحوثي" إجراءات بالغة الصعوبة والتعقيد على طلب اللقاء معه. - "الحوثي" استعار طريقة إخفاء عيوبه وعُقد نقصه من "الخميني" في إيران. - يتشبه "الحوثي" بحسن نصر الله ويقلده في التخفي وطريقة إلقاء الخطب أداءً وحركة.
محمد عبدالعليم- سبق: تعود أغلب مآسي ونكبات اليمن في تاريخه الحديث، إلى أولئك الأشخاص الذين استولوا على السلطة عن طريق القوة والخديعة وتدبير الانقلابات من أمثال المخلوع علي عبدالله صالح، والمتمرد عبدالملك الحوثي، دون أن يتمتعوا بأي تأهيل حقيقي يخوّلهم القيام بمتطلبات المنصب، بما في ذلك التعليم الذي اكتفوا منه بتعلم مبادئ القراءة والكتابة من خلال أشكال بدائية غير مؤسساتية في تلقي العلم، كالكتاتيب، فمن المعلوم أن عبدالملك الحوثي لم يتلقّ أي تعليم نظامي، أما علي صالح فقد كان راعياً للأغنام عند زوج أمه، وعندما بلغ العاشرة من عمره التحق ب"معلامة" القرية "الكتاب"، وتعلم القراءة والكتابة، ثم حاول الالتحاق بالجيش بعدها بعامين، ونجح في محاولته -بحسب روايته- عندما بلغ الثامنة عشرة بفضل وساطة قبلية.
وفي المحصلة أصبح يتحكم في اليمن، هذا البلد العريق صاحب الحضارات الموغلة في القدم، والذي تعود إليه أصول العرب، طبقة من الأميين، وفي أفضل الحالات أنصاف الجهلة، الذين اختزلوا اليمن في رغبة الاستحواذ على السلطة، والاستمرار في الاحتفاظ بها بشتى الطرق والوسائل.
عشوائية الانقضاض وتكشف تجربة عبدالملك الحوثي في الانقضاض على السلطة في اليمن، عن مدى تغلغل العشوائية، وطغيان الطموح الشخصي، والافتقار التام إلى الخبرة والتأهيل في نموذج تقلد السلطة وممارسة الحكم في اليمن، فلقد كان عبدالملك الحوثي الذي وُلد عام 1979م مجرد حارس شخصي لشقيقه حسين الحوثي الذي كان يترأس ميليشيا الحوثيين، وعندما قُتل الأخير في الحرب مع نظام المخلوع علي صالح سنة 2004م، دفع بدر الدين الحوثي بابنه "عبدالملك" لقيادة الميليشيا رغم حداثة سنه؛ إذ كان عمره وقتذاك لا يتعدى الرابعة والعشرين، وعلى الرغم كذلك من أحقية القائد الميداني لميليشيا الحوثيين عبدالله الرزامي بالمنصب، أي أن عبدالملك الحوثي انتقل من مستوى حارس إلى مقام قائد وزعيم ميليشيا في نقلة واحدة يصعب تبريرها أو إيجاد منطق صحيح لتسويغها.
احتكار السلطة ويلفت مسلك بدر الدين الحوثي، الذي يعدّ بمثابة الأب الروحي للحوثيين، في تولية ابنه الأصغر مسؤولية قيادة الميليشيا الحوثية رغم عدم تمتعه بأي خبرات تؤهله للمنصب، الانتباه إلى نوعية الأهداف التي يسعى "الحوثي" إلى تحقيقها، والتي تتمثل في احتكار سلطة قيادة الميليشيا؛ تمهيداً لتنصيب أسرة "الحوثي" في مركز الحكم في اليمن، وهو ما يعني على نحو من الأنحاء استعادة حكم الأئمة الزيديين الذين استمر حكمهم لليمن قرابة التسعة قرون، فاليمن في تقدير هؤلاء ليس أكثر من وسيلة لإشباع نهمهم للسلطة، وأسرة "الحوثي" هدفها الاستيلاء على السلطة لا تحسين الظروف الحياتية للزيديين.
طارقة المذهب وتكتسب نوعية التعليم الذي تلقاه عبدالملك الحوثي أهمية محورية في التعرف على مستوى قدراته، وأبعاد شخصيته، ومدى أهليته لزعامة ميليشيا طائفية، ناهيك عن سعيه للإمساك بزمام الحكم في اليمن، فكما أشير سابقاً لم يتلقّ عبدالملك الحوثي أي تعليم نظامي، ولا يملك أي شهادة دراسية، أي أنه يجهل تماماً ويفتقر بالكامل للمعرفة بالعلوم الحديثة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها، فنصيبه من التعليم توقّف عند تلقي مبادئ الكتابة والقراءة على يد أبيه بدر الدين الحوثي، الذي أجازه في تلقي العلم الديني المتعلق بالمذهب الجارودي الشيعي، لمجرد مواظبته على حضور الحلقات الدراسية التي كان يعقدها لشرح المذهب، ورغم تواضع وسائل عملية تلقي العلم في نظام الحلقات الدراسية، ورغم صغر سن "عبدالملك" ذي الثمانية عشرة في ذلك الوقت فإن والده أجازه في تدريس علوم المذهب، بل أطلق عليه لقب "طارقة" أي "علّامة"، فهل يستحق شخص يفتقر إلى التعليم على هذا النحو أن يصبح "عالماً" لتدريس المذهب أو زعيماً لميليشيا أو حاكماً لدولة؟!
مركبات النقص ولقد انعكس شعور عبدالملك الحوثي بنقص التعليم على شخصيته، فعمد إلى التعبير عن مركب النقص الذي يعتمل في داخله، من خلال مظاهر العظمة؛ في محاولة منه لإخفاء تأثير هذا النقص على شخصيته، ولقد تجلى هذا السلوك في حرصه على عدم الظهور في اللقاءات والاجتماعات العامة، حتى إن خمسة وتسعين بالمائة من أتباعه لم يقابلوه في أي لقاء مباشر، وتفضيل الالتقاء بأتباعه أو المسؤولين الحزبيين أو شيوخ القبائل عبر شاشة تليفزيونية يحدثهم ويستمع إليهم من خلالها، ومن النادر أن يقابل أي شخص إلا إذا كان مسؤولاً كبيراً شرط ألا تزيد مدة اللقاء على نصف ساعة، وبعد قبول هذا المسؤول لخوض ظروف إجرائية بالغة الصعوبة والتعقيد، ترغمه على عدم طلب هذا اللقاء مرة أخرى، هكذا يعكس "الحوثي" مركبات النقص في داخله إلى مركبات عظمة إزاء المحيطين به والمتعاملين معه. القات والشمة ويتعمّد عبدالملك الحوثي إحاطة نفسه بهالة من التبجيل تصل إلى حد التقديس عند أتباعه، ولقد أثار هذا المسلك كثيراً من الباحثين، فخلصوا في تفسيره إلى أن "الحوثي" استعار تلك الطريقة من "الخميني"؛ ليخفي نقائصه المتمثلة: في انعدام التعليم، وتخزين القات، وتناول الشمة... وغيرها من التصرفات التي لا يرغب في إطلاع الآخرين عليها، ومن المؤكد أن هروب "الحوثي" من عقد نقصه هو الدافع الحقيقي لتفضيله حياة المخابئ السرية في كهوف الجبال وأسفل الأبنية السكنية.
مسخ قبيح ولقد استلهم عبدالملك الحوثي نموذج أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، واقتفى أثره في التعاطي مع الوضع السياسي القائم في اليمن، فاستغلّ هشاشة النظام السياسي والأمني وحوّل الميليشيا الحوثية إلى جيش شبه نظامي تدريباً وتسليحاً تماماً مثل "حزب الله" اللبناني، كما اقتدى به في طرق التخفي وتفضيل سكنى الأقبية والمخابئ السرية، وقلده تقليداً شائهاً في طريقة التعبير عن شخصيته، فعمد إلى اختيار نوعية من اللباس يتميز بها، ولقد حرص "الحوثي" على انتقاء مكونات لباسه من الموروث القبلي الشعبي، كوسيلة للتعبير عن انتمائه لليمن، فاختار الثوب والشال والجنبية، وزيّن خنصره بخاتم من الفضة مرصع بفص من العقيق، وأكثر من التلويح بسبابته خلال أحاديثه الطويلة، تماماً كما يفعل حسن نصر الله، ولا تعبّر كل عمليات التقليد تلك والتي ظهر "الحوثي" فيها أشبه بالمسخ القبيح، إلا عن افتقاره للشخصية المميزة المستقلة، واضطراره لاقتفاء أثر غيره؛ تعويضاً عن النقص الشديد الذي يعانيه تعليماً وتجربةً.
المسؤولية التاريخية وتتحمّل أسرة "الحوثي" تاريخياً المسؤولية عن تغلغل النفوذ الإيراني في اليمن، فلقد بدأت بوادر هذا التدخل في الظهور عقب سفر بدر الدين الحوثي وابنيه "حسين" و"عبدالملك" إلى إيران عام 1994م، وما تلا ذلك من نشر مبادئ المذهب الجارودي القريب من الاثنا عشري في أوساط الزيديين، وإرسال المئات من الطلبة إلى إيران لدراسة المذهب، ولقد أدى انحراف بدر الدين الحوثي عن المذهب الزيدي إلى اصطدامه بعالم الزيدية الشيخ مجد الدين المؤيدي الذي قال: "إن ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها، وأطروحاتها بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي الذي يشكل هو والمذهب الشافعي توأمين رئيسين وفرعين في أصل عقدي واحد هو الإسلام الحنيف".
الفخ الإيراني ولقد ترك بدر الدين الحوثي تأثيره في التجاوب مع النفوذ الإيراني على ابنه، فانطلق عبدالملك الحوثي في تعميق التعاطي مع متطلبات التدخل الإيراني على نطاق واسع، وتحول مع أتباعه إلى أداة لتحقيق السياسة الإيرانية في المنطقة، وصار خنجراً مسموماً في ظهر كل يمني، ومثّل مسعاه في الانقضاض على السلطة في اليمن واحداً من الفصول الأشد قتامة في مسلسل إقحام اليمن في حالة من الاضطراب السياسي والمذهبي والقبلي، انتهت بانهيار نظامه السياسي ومؤسساته الأمنية ومنظومته العسكرية، ووقوعه في فخ التدخل الإيراني المقيت، الذي ما فتئ يدفع باليمن إلى الهاوية.