ينظر السعوديون إلى وزارة العمل منذ سنوات طويلة مضت، نظرة خاصة جداً تختلف عن بقية الوزارات، ويرون أنها وزارة مؤثرة بدرجة كبيرة في المجتمع، لذلك يراقبون أداءها عن كثب، وينتظرون برامجها ومشروعاتها الخاصة بتوطين الوظائف. ويسعد المواطنون عندما يجدون نتائج مبشرة تصب في صالح "السعودة"، ثم ينتقدون الوزارة إذا شعروا أن نسبة البطالة في ازدياد.
واهتمام السعوديين بوزارة العمل جعلها تبقى تحت المجهر على مدار الساعة، فكل كلمة تصدر من مسؤول فيها، هو مسؤول عنها، وكل وعد يطلقه، لا بد أن ينفذه.
وقد أمر خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتعيين المهندس مفرج بن سعد الحقباني وزيراً للعمل، خلفاً للمهندس عادل فقيه.
و "الحقباني" هو ابن الوزارة، و "شاهد على العصر"، وكان يشغل منصب نائب وزير العمل منذ عام 2011، حاملاً درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كلورادو، وشغل عدة مناصب أخرى كان خلالها قريباً من الشأن المجتمعي والاقتصادي.
النجاح والفشل وتراوح أداء وزارة العمل على مدى العقدين الأخيرين بين "النجاح" تارة و "الفشل" تارة أخرى، وبينما نالت الوزارة ثناء البعض ومدحهم على ما حققته في تعزيز ودعم برامج السعودة، تلقت هجوماً عنيفاً من البعض الآخر، رأوا أنها تجيد إضاعة الوقت والجهد، في إيهام فئة الشباب بأن برامج السعودة ستشملهم قريباً.
وينظر فريق المنتقدين إلى نسبة السعودة في القطاع الخاص على أنها خير معيار لتقييم أداء الوزارة، ويؤكدون أن هذه النسبة لم تتغير منذ فترة، بعدما تحولت الوزارة إلى حقل تجارب لتجربة عدد كبير من برامج وآليات السعودة على مدى عقدين، التي سرعان ما فشلت، الواحد تلو الآخر، وأوضحوا أن هذه البرامج استنزفت طاقات الوزارة، وأشاعت نوعاً من الأمل المزعوم لدى المواطنين، ولكنها لم تنجح في حل مشكلة البطالة في البلاد، بل إنها رسخت "السعودة الوهمية".
ووفقاً لإحصاءات مصلحة الإحصاءات العامة لعام 1433/ 1434 يبلغ سكان المملكة المواطنون نحو 20.21 مليون نسمة، منهم 13.04 مليون فوق سن ال 15 سنة، استبعدت منهم مصلحة الإحصاءات 7.78 ملايين خارج القوة العاملة، وتقول مصلحة الإحصاءات إن القوة العاملة الوطنية تبلغ 5.26 ملايين، يبلغ المشتغلون منهم 4.63 ملايين والباقي 629 ألفاً متعطلون عن العمل، أي إن نسبة البطالة وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاءات هي 12 %.
وبلغ عدد الباحثين الجادين عن العمل وفقاً لحافز 1.9 مليون عاطل أكثر من 20 % منهم جامعيون، أي إن نسبة البطالة 36 %. ولا تشمل إحصاءات "حافز" إلا الفئة العمرية ما بين 20 – 35 سنة بينما القوة العاملة وفقاً لتعريف مصلحة الإحصاءات هي من سن 15 سنة فما فوق.
أزمة البطالة في المقابل، يرى الفريق المؤيد لوزارة العمل أن الوزارة لا تستطيع بمفردها التصدي والقضاء على ظاهرة البطالة، وأشاروا إلى أن هذه الأزمة تشارك فيها جهات حكومية عدة، مثل التعليم والتدريب، ومنافسة العامل الوافد للمواطن في سوق العمل.
وطالب أنصار هذا الفريق بتغيير النظرة إلى وزارة العمل وعدم تحميلها كامل المسؤولية عن أزمة البطالة، ودعوا إلى مشاركة وزارات عدة في إيجاد آلية جديدة تساهم في حل أزمة البطالة بطرق علمية، ليس فيها عقوبات رادعة لمؤسسات القطاع الخاص وشركاته.
وخلال عهد الوزير السابق المهندس عادل فقيه، أعلنت وزارة العمل عدة برامج لتعزيز السعودة، أهمها برنامجا "نطاقات" و "حافز" و "التأنيث" و "حماية الأجور".
وتباينت الآراء حول هذه البرامج بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، البعض يرى أن اعتماد برنامج "نطاقات" على النسبة في السعودة يؤكد استمرار التوطين في قاع الهرم الإداري وبقاء السعودي في وظائف هزيلة تنعدم فيها أي قيمة مضافة.
أما "حافز" فقد أكد الكثيرون أن الأموال التي أنفقت فيه لم تحقق أهدافه في تأمين وظائف جيدة للشباب، ونال مشروع التأنيث هو الآخر نصيبه من الانتقاد والهجوم، بأنه يتضمن عيوباً كبيرة تقلل الاستفادة منه، وأخرج الفتاة السعودية المحافظة من خدرها إلى العمل في الوسط الرجالي، ونال برنامج "حماية الأجور" نصيبه من المدح والإطراء.
شكوى القطاع الخاص ولا يخفي القطاع الخاص امتعاضه من برامج وزارة العمل، التي يرى أنها وضعت لخنقه والتضييق عليه، ويرى أرباب هذا القطاع أن الوزارة تريد أن تحل أزمة البطالة على حسابه، وشهدت الساحة سجالاً طويلاً بين مسؤولي الوزارة وبين رجال الأعمال، الذين رأوا أن الوزارة هضمت حقهم، وأنهم يتحملون وزراً لا ذنب لهم فيه.
ويرى القطاع الخاص أنه يقوم بدور كبير في عمليات التنمية من خلال مؤسساته وشركاته، ويندهش أرباب القطاع من قيام وزارة العمل بالضغط عليه، وتحميله فوق طاقته في ما يخص أزمة البطالة، وينتقدون توعد الوزارة لشركات القطاع ومؤسساته بالعقوبات الرادعة إذا لم يوظف السعوديين بالقوة الجبرية.
وخلال نحو عام أو أكثر، حاصرت الوزارة القطاع الخاص بقرارات مؤثرة في مسيرته، بدأتها ببرنامج "نطاقات"، ثم قرار تحديد الحد الأدنى لرواتب السعوديين، ثم رغبة الوزارة في تخصيص يومين إجازة أسبوعية لموظفي القطاع، وأخيرا قرار رفع كلفة العامل الوافد إلى 2400 ريال في حال تراجعت نسبة السعودة في المؤسسة عن 50 %.
ويؤمن القطاع الخاص بأن هذه القرارات راعت بقدر كبير "السعودة"، وتجاهلت بالقدر نفسه مصلحة القطاع الخاص، ويطالب بأن تبحث الوزارة عن برامج ومشروعات لتوطين الوظائف، ولكن ليس على حساب القطاع الخاص.
رسائل للوزير الجديد ووجه عدد من المحللين الاقتصاديين والمواطنين رسائل إلى وزير العمل الجديد المهندس مفرج الحقباني، بالعمل على إيجاد سعودة حقيقية، تعلي من قيمة وخبرة الموظف السعودي، ومحاربة السعودة الوهمية، وجعل بيئة العمل في السعودية ملائمة للإبداع والعمل والإنتاج.
وشددوا على أهمية تغيير نظرة الشباب إلى العمل في القطاع الخاص، والتأكيد لهم أن هذا القطاع يضمن التقدم والتفوق والارتقاء كلما كان الموظف مجتهداً ومبتكراً، بعكس العمل في القطاع الحكومي الذي قد لا يتوفر فيه برامج التحفيز، وتغلب عليه البيروقراطية العقيمة.
وتدعو فئة الشباب الوزير الجديد للعمل على تعزيز مكانة الموظف السعودي في سوق العمل، وتدريبه وتأهيله بشكل جيد جداً، بما يضمن إقبال الشركات والمؤسسات عليه، ومنحه رواتب مرتفعة للظفر بخدماته، بدلاً من توظيفه بقوة الأنظمة والقوانين، في وظائف لا تضيف شيئاً له.
أزمة الاستقدام ورأى الزميل الإعلامي المعد التلفزيوني منصور الطلحة أن أحد الحلول أيضاً أن تقوم وزارة العمل بإعادة النظر في اللجنة الوطنية للاستقدام حول مسألة نظام الاستقدام، ووضع أطر إستراتيجية قبل حلول الأزمة في تأمين الخدم، لخفض مبلغ التقديم من جهة، وتوفير العمالة كي لا تنشأ سوق سوداء من جهة أخرى كما يحدث كل عام دون مبرِر.
وطالب بوجود دبلوماسي محنك في العلاقات الخارجية بوزارة العمل في استقدام العمالة من الخارج أمر ضروري حتى لا تهتز العلاقات الدولية.
وقال "الطلحة": "يجب أن تكون القرارات التي تتخذ من قبل الوزارة وتحديداً بالعلاقات الخارجية بشكل دقيق وسياسي لكي لا تفقدنا الاستقدام من الدول الأكثر احترافية في الخدمة مثل إندونيسيا والفلبين وغيرها من الدول الممارسة لهذه المهنة".
وأضاف: "يجب أن تكون هناك زيارات تفتيشية وإصدار عقوبات صارمة وربط نظام الوزارة بقيمة التقديم لكل عمالة لكي لا يكون هناك مجال للمحتكرين من مكاتب الاستقدام لرفع الأسعار واستغلال موسم شهر رمضان الكريم".