سبعة أعوام متواصلة قضاها فقيد الصحافة محمد الثبيتي في بلاط صاحبة الجلالة، تفرغ خلالها للعمل الإنساني النبيل، حتى تحول لرمز من رموز الأعمال الخيرية شرق السعودية. الفقيد "الثبيتي"، ورغم عمله الصباحي وكيلاً لإحدى المدارس في المنطقة الشرقية، إلا أنه تفرغ مساءً للعمل الصحفي، وبرفقة زملائه في "صحيفة اليوم" وضع أولى لبنات قسم "الحياة"، الذي كان مخصصاً لعرض الحالات الإنسانية في الصحيفة، واستقبال مساعدات المتبرعين لتلك الحالات، ونجح خلال تلك السنوات في التحول إلى جسر ضخم وآمن لعرض معاناة المرضى والأسر الفقيرة، والتواصل مع المحسنين لإيصال تبرعاتهم إلى أولئك المستحقين.
"الثبيتي" الذي توفي صباح اليوم بخطأ طبي فادح، بعد أن شارف على نهاية الثلاثينيات من عمره، رحل تاركا وراءه أربعة أطفال وزوجة مكلومة وإخوة يعانون صدمة الفَقْد، وعشرات الأسئلة التي تقافزت من جراء تجاهل الصحف الورقية نشر مأساته الصحية، وصمت هيئة الصحفيين عن التدخل لنصرة أحد ممارسي مهنة المتاعب.
ورغم المحاولات الفردية لزملاء الفقيد لإنقاذه من الخطأ الطبي القاتل، وهرولتهم لنشر قصة زميلهم، إلا أنهم اصطدموا بصمت الصحف؛ فتوجهوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وانطلقوا في بث العديد من التغريدات المطالبة بإنقاذ زميلهم الذي كان يوماً من الأيام ملجأ للفقراء وضحايا الأخطاء الطبية، وبعد مدة قصيرة من الحملة "التويترية" تدخل أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف؛ ووجّه بتشكيل لجنة عاجلة للتحقيق في القضية، ونقل الزميل لمستشفى التخصصي لاستكمال علاجه.
صديق الفقيد فهد الحشام، رئيس فريق (إعلاميو الشرقية) على "تويتر" ومدير تحرير صحيفة الدمام الإلكترونية، تحدث عن قصة الثبيتي، وقال: "لم يعلم زملاء الفقيد عن دخوله - رحمه الله - في غيبوبة إلا بعد أربعة أيام، وذلك عن طريق أحد زملائه في المدرسة، نظراً إلى أن الفقيد بات مقلاً في العمل الصحفي خلال الأشهر الستة الأخيرة.
وأضاف "الحشام": وبعد أن وصلتنا المعلومة تسابق الجميع نحو البرج الطبي بالدمام للتأكد من ذلك، والاطمئنان على صحة الثبيتي. وبعد الوقوف على الحالة بدأ بعض الإعلاميين التحرك سريعاً سعياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعرض جميع إمكانياتهم لذوي الزميل نظراً إلى أنهم من سكان الطائف، ويجهلون كل ما في الدمام باستثناء موقع البرج الطبي. ونشط التحرك الإعلامي بشكل ملحوظ من الزملاء بعد علمهم أن الخبر لم تبثه أي صحيفة.
وأردف: قررنا حينها عرض القصة في تويتر، والكشف عن حالة الزميل، ودخوله في غيبوبة، ونقل تذمر ذويه من عدم عناية الفريق الطبي بالحالة، وتأخر الإجراءات الصحية تجاهها. وفي الوقت الذي واصل فيه فريق (إعلاميو الشرقية) دورهم في حسابهم الخاص بتويتر لم يكن لدى المسؤولين بصحة الشرقية أي دور إيجابي على أرض الواقع، حسبما أكده أقارب الثبيتي.
وتابع: ولكن مع وصول الخبر إلى أمير المنطقة الشرقية، وتفاعله الفوري، بدأت البيانات تتوالى من صحة الشرقية. ورمت الصحف الورقية بخجلها جانباً، وتحولت للبحث عن مستجدات الحالة المرضية وتخصيص مساحات للنشر، إلى جانب ظهور كتاب المقالات لتسليط الضوء على الوضع الصحي للثبيتي - رحمه الله -. هذا التأخر في التفاعل أثار غضب الزملاء نظراً إلى أن القضية إنسانية بحتة، تعرضت إلى خطأ طبي بشهادة صحة الشرقية، وهناك العديد من مسؤولي وزارة الصحة تعاطفوا مع الحالة، وهم يدركون قبل غيرهم جوانب القصور والإهمال وارتفاع حصيلة الأخطاء الطبية لأسباب لا يتسع المجال لذكرها.
وعلى الصعيد ذاته، نفى مصدر مطلع داخل صحيفة اليوم ما تردد عن إهمالهم لحالة الزميل، وقال في حديث ل"سبق": كنا نتابع حالة الزميل لحظة بلحظة مع مختلف الجهات المعنية، ولم نرغب في استغلال الصحيفة لذلك، ونشرنا العديد من التقارير حول حالته الصحية عندما استدعى الأمر ذلك.
سليمان أبا حسين، نائب رئيس تحرير صحيفة اليوم وأحد من عمل الفقيد برفقته سنوات عدة، قال متحدثاً عن مآثر الثبيتي: رحم الله الزميل محمد؛ فقد كان أخاً كريماً رحوماً، قريباً بقلبه وعقله إلى مختلف الزملاء، وقد ترك في أنفسنا الكثير من الأثر الطيب منذ التحاقه بالصحيفة قبل سبعة أعوام، وقد تأثرنا كثيراً منذ أن علمنا بما أصابه، وعم الحزن في مختلف أنحاء الصحيفة اليوم بعد نبأ وفاته رحمه الله".
ويواصل: منذ أن بدأنا فكرة ملحق "الحياة"، الذي يهتم بالحالات الإنسانية التي تعاني مرضاً أو فقراً أو غيره، اخترت الزميل الثبيتي مشرفاً على متابعة القضايا الإنسانية في الملحق، وخصوصاً أن هذا العمل يحتاج إلى شخص يملك الأمانة والخلق الحميد في التعامل مع مختلف فئات المجتمع، سواء الثرية أو الفقيرة، ونجح - رحمه الله - في إنهاء معاناة المئات ورسم البسمة على شفاههم من خلال عرض قضاياهم، وربطهم بالمحسنين من أمراء ورجال أعمال.
ويتذكر "أبو حسين" شيئاً من أعمال "الثبيتي" الإنسانية، وقال: قبل سنوات مضت تعرضت المنطقة الشرقية لأزمة حضانات المواليد، وكان الآباء يخيرون بين دفع المبالغ الطائلة في المستشفيات الخاصة أو المغامرة بإخراج أطفالهم إلى المنازل، وتصدى حينها الفقيد، وكتب أربع حلقات متتالية، كشفت الحقيقة كاملة، ووجّه حينها سمو نائب أمير المنطقة الشرقية السابق الأمير جلوي بن مساعد بقبول كل الحالات التي تحتاج للحضانات في المستشفيات الخاصة على حساب الدولة.
وبيّن: حتى بعد انتقاله للعمل برفقتي في العدد الأسبوعي كان مثالاً للصحفي المهني الذي يملك أدوات النجاح، وتمكن من تحقيق نقلة نوعية مختلفة.
يُذكر أن الفقيد "الثبيتي" كان قد أجرى عملية (خراج)، وبعد إفاقته من البنج حدث خطأ من أحد أفراد الفريق الطبي، وتحديداً في فصل جهاز الأوكسجين؛ بسبب عدم معرفة إعادة وضعه على الحالة المرضية لفترة قاربت عشر دقائق، وهو الوقت الذي كان قلبه متوقفاً عن النبض فيه، وبعد محاولات لتركيب أنبوب الأوكسجين تم تدارك الوضع، ولكن بعد أن فقد وعيه؛ ليدخل بعدها في غيبوبة دامت أكثر من أسبوعين تقريباً، ثم أُعلنت وفاته اليوم.
وكان المدير العام للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية الدكتور خالد بن محمد الشيباني قد وجّه بحظر سفر الطبيب الذي كان مشرفاً على حالة "الثبيتي"، وأوضحت المديرية العامة للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية في حينه أنه تم الانتهاء من التحقيق في قضية "الثبيتي" من قِبل لجنة استشارية محايدة، وتمّت إحالة ملف القضية إلى المدعي العام لاتخاذ اللازم نظامياً، لافتة إلى أنها ستُطلع وسائل الإعلام على كل المستجدات إعمالاً بمبدأ الشفافية.
وبدوره، تابع أمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف القضية بشكل متواصل، وقد وجَّه في وقت سابق بالتحقيق الفوري.