"كم هو مؤلم للنفس أن ترى ابن بلدك ترك العدو وتربص بك! كم هو محزن عندما يحاربك أخوك ومن كنت تعتبره سنداً وعضداً لك بعد الله! كم هي مفجعة حادثة مقتل إخواننا من رجال الأمن في حرس الحدود بعرعر! كيف سيكون حال أولادهم وقد تلقوا هذا الخبر المفجع؟! لسان حالهم يقول: لماذا قتلوه؟ هل ذنبه أنه يحمي الحدود ويذود عن دينه ووطنه؟! من هؤلاء القتلة؟! من الذي غرر بهم؟! لماذا قطعوا اليد التي مدت لهم بالخير؟! يا الله.. يا الله.. يا الله.. خُذ لنا حقنا من قاتل أبينا". بهذه الكلمات بدأ الاستشاري النفسي "عبدالله بن عالي الحارثي" حديثه إلى "سبق" تعليقاً على الهجوم الإرهابي الآثم الذي وقع بمركز سويف التابع لجديدة عرعر بمنطقة الحدود الشمالية، وأسفر عن استشهاد عدد من رجال الأمن صباح اليوم.
وقال "الحارثي" مخاطباً القاتل: ثمة سؤال أوجهه للقاتل: ما ذنب المقتول؟! ما الذي دفعك لقتله؟! إن قلت: أطلب منه الثأر، فهل يؤخذ الثأر بهذا الأسلوب البشع؟! وإن قلت: هو خائن لأمته، فما معنى الخيانة عندك وهو يحرس حدود البلد الذي ولدت فيه وشربت من مائه؟! وإن قلت: أنا أعمل على هدي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فأقول لك: بالله عليك لو أن محمداً موجود بيننا هل كان سيرضى بما فعلت؟! هل سيعتبر عملك بطولياً؟!".
ومن الناحية النفسية بين الاستشاري النفسي "عبدالله بن عالي الحارثي"، أن "مثل هذه الشخصية التي عندها حب الانتقام والتشفي تسمى عدوانية، ومن خصائصها هو شخص لديه ميول عدوانية كامنة لا يحب النجاح إلا لنفسه فقط، ويحب السيطرة على الآخرين، سواء على مستوى العمل أو على مستوى العلاقات الاجتماعية، وهو شخص يحب تخريب أي نجاح، وتعطيل أي عمل لكارهيه أو منافسيه، أو من هو ضده، ويفعل أي شيء ليعوق الآخرين عن التقدم، وهو لا يلتزم بأي تعليمات أو توجيهات أو نصائح، وهو دائم الاعتراض على السلطة ودائم النقد لرؤسائه، شخص يشك في كل الناس، ويتوقع منهم الأذى، وهو عنده شعور دائم بالاضطهاد، ولذلك فهو ضد كل الناس، ويضمر لهم الكراهية وعدم الارتياح، وهو لا يراعي مشاعر الآخرين، وينتقدهم بشكل لاذع وجارح، بينما هو لا يتقبل أي نقد أو توجيه من أحد، ولذلك فهو شخص قليل الأصدقاء، وهذه العزلة تزيد من عدوانيته وشعوره بالاضطهاد".
وواصل: "كما أن علاقته بزوجته مضطربة بسبب سوء ظنه وغيرته الشديدة، وحياته الزوجيه يسودها البرود، والحوار والنقاش مع هذا الشخص صعب جداً، فهو لا يتقبل كلام الآخرين بسهولة؛ لأنه دائماً يتوقع الغدر والخيانة والأذى من الآخرين، و هو شخص بلا عواطف أو عواطفه محدودة وباردة، وهو شخص يفتقد لروح الدعابة والمرح وقليل الضحك ولا يبتسم إلا قليلاً، وهو لا يهتم بأحد ولا يتألم من أجل أحد، وهو شخص متصلب لا يتنازل ولا يقبل الحلول الوسط، ولا يحب التقرب من الآخرين أو التودد إليهم، ولذلك فهو يحاول الاعتماد على نفسه بشكل كامل حتى لا يحتاج إلى الآخرين، فهو شخص متمركز حول ذاته".
وأشار إلى قول علماء النفس إن "هذه النمط من الشخصية منتشر بين المتعصبين والمتطرفين، وبين المطلقين والمطلقات، وهذا النوع يجب التعامل معه بهدوء وحذر، ويجب تجنب المواجهة العدائية معه؛ لأنها معركة خاسرة؛ لأن هذا الشخص لا يتورع عن استخدام أقصى درجات العنف ضد معارضيه، ولعل سائل يسأل: ما هي الأسباب وراء هذا العداء الذي يتكون في الشخصية العدوانية؟". وبين أن هناك أسباباً كثيرة تؤدي إلى تلك الأسباب من المعاملة، هي: التنشئة الاجتماعية وخاصة أساليب التربية يجب أن تكون التربية تتصف بالاعتدالية وليست بها حزم شديد أو تدليل مفرط، والعوامل الوراثية قد يجد الفرد نفسه عصبي عدواني نظراً للاستعداد الوراثي الذي يولد الفرد مزوداً به وتدعمه البيئة، والغدد والهرمونات، فهناك بعض الإفرازات الهرمونية التي تجعل الفرد أكثر عصابية وعدوانية، والإحباطات التي تصيب الفرد تجعله لا يبالي بمن حوله أو أمامه، والنموذج الذي يعتبره الفرد قدوة أمامه قد يتصف بتلك الصفات، ورواية ومشاهدة مناظر العنف والتطرف وخاصة أفلام العدوان والبطولة، كما أن بعض الألعاب للحاسب الآلي التي تحتوي على كثرة العنف و الدماء كالألعاب المرعبة و الأكشن و خصوصاً ذات التقنية المجسمة التى تجعلها كأنها واقعية.
وذكر أن منها أيضاً العوامل الاجتماعية، وهي "عوامل تتعلق بالأسرة وطريقة التربية، من بينها خلل البيئة الأسَرية، في الطفولة، خاصة أن الطفل أكثر تأثراً بها من البالغ. ويلزم أن يرتبط الطفل، عاطفياً، بشخص بالغ، وأن يكون هذا الارتباط دافئاً، ومدعماً، وثابتاً، وهذا لا يتحقق في حالة انفصال الوالدَين، أو هجران أحدهما للآخر، أو إدمانهما أو إدمان أحدهما، أو كان أحد أفراد الأسْرة شخصاً مضادّاً للمجتمع، أو كان أحدهما مريضاً نفسياً. كما أن فقر الأسْرة، وازدياد عددها، ينمّي السلوك العدواني لدى أطفالها؛ إذ إن الإحباط، ونقص الإشباع لحاجات الطفل، ونقص التنظيم داخل الأسْرة، وضعف الرقابة الوالدِيّة للأبناء، ينشأ عنها العدوان. ولوحظ أن كثرة تغيير الأسْرة لمحل إقامتها، لا يعطي أفرادها فرصة لإنشاء علاقات ثابتة بالجيران، بل يحبطهم ويجعلهم أكثر عدواناً. كما أن التربية القاسية، التي تقهر الطفل وتعاقبه، بدنياً، وتؤلمه نفسياً، تنمّي العدوان لديه، إذ يتعلم، من خلالها، أن العدوان من القوي إلى الضعيف، هو مقبول. كما أنه قد يأتي العدوان، طلباً للعقاب الذي يُعَدّ بديلاً من الاهتمام لديه. وبالمثل، فإن التسامح إزاء أفعال الطفل العدوانية، يجعله يتمادى في عدوانيته. لذا، فالأفضل هو الطريق الوسط، بين القهر والتسامح واللامبالاة، ومن دون عقاب بدني شديد".
وأضاف أن منها عوامل تتعلق بالمجتمع إذ "إن انتشار العنف والعدوان، يعكس الوضع الأخلاقي للأمة. فالمجتمع، الذي يكثر فيه معدل الطلاق، والأُسَر الممزقة، وولادات السفاح تزداد فيه جرائم العنف. كذلك، يسهم في ازدياد هذه الجرائم: عدم احترام السلطة في المجتمع، خاصة سلطة البيت والمدرسة والسلطة الدينية، وتخبط المجتمع في وسائل التربية، وفي توجهاته الاقتصادية، وعدم التخطيط القومي الواضح، وغياب الهدف القومي، الذي يمتص طاقات الشباب، وغياب العدو الخارجي، ونقص ممارسة الديموقراطية الحقيقية، وازدياد القهر في المجتمع، وانهيار القِيم الأخلاقية السائدة، واهتزاز القدوة، على المستوى الاجتماعي، والبطالة، والإحباط الذي يعيشه الشباب إزاء حلمه بمستقبله المنشود. هذا إلى جانب انهيار مستوى التعليم، والفراغ الفكري الذي يعيشه الشباب، ونقص الاهتمام بالرياضة البدنية، كسبيل إلى إفراغ طاقاتهم، إضافة إلى ما ينشر من أفكار عدوانية، تنمي العنف الممزوج بشحنة انفعال دينية أو عرقية".
وأكد أنه "لا يمكن إغفال دور وسائل الإعلام في كل المجتمعات، خاصة التليفزيون، الذي يعايشه الأطفال أكثر من معايشتهم لوالدِيهم، مما يجعله أداة بالغة التأثير، خاصة إذا شاع العنف في ما يعرضه من مواد، لأن مشاهدة العنف، هي تنمية له، خاصة أن الأطفال والكبار غير الناضجين، يميلون إلى تقليد ما يشاهدونه على شاشة التليفزيون من مشاهد عنف. والأطفال، بعد مشاهدة مباراة في مصارعة المحترفين، يقلدون ما شاهدوه. وأحياناً، تهتز قِيم احترام القوانين لديهم، بتأثير مشاهدة أفلام رعاة البقر؛ إذ يسيطر قانون الراعي على قِيم الفيلم".
وتابع: "كما أن مشاهدة العنف، في حالة استرخاء جسماني، تؤدي إلى تراكم الانفعال، الذي يزيد التوتر والإحباط، ويزداد العنف. وذلك عكس الرياضة، خاصة أن لها قوانين تحكمها، وهي تخرج الطاقة والانفعال، فتحقق الاسترخاء. كما أن الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والحرائق، تزيد من انتشار العنف والعدوان في المجتمع، الذي يصاب بها. ويلاحظ أن فقر المجتمع، ليس سبباً لانتشار العنف لدى أفراده؛ إذ يعانيه في أغنى دول العالم، وبالتحديد الولاياتالمتحدةالأمريكية والسويد وإنجلترا وفرنسا وألمانيا، بمعدلات أعلى من غيرها".
وذكر من العوامل النفسية "اضطراب علاقة الطفل بالأم، أو من ينوب عنها؛ إذ إن هذه العلاقة، هي عامل مهم للنمو الاجتماعي. فلقد ثبت أن نمو الضمير، الذي هو إدخال قِيم الوالدين التوحد بها، يستلزم علاقة ثابتة، دافئة، بشخص الأم أو بديلها؛ إذ من خلال ارتباطه بها، يستدخل قِيمها، ثم يتوحد بتلك القِيم، فتصبح جزءاً من تكوينه. وهو ما يسمّى الأنا الأعلى (Super ego)".
وأضاف أن منها كذلك "نقص مستوى الذكاء لدى معتادي العنف، عنه لدى أقرانهم الأسوياء. لذا، يسهل انقيادهم لمن يوجهونهم من الشخصيات المضادّة للمجتمع. فليس لديهم من القدرة الذكائية ما يجعلهم يقدرون الأمور حق قدرها، ويحسنون التصرف، فيصبحوا تابعين لآخرين في ممارسة العدوان، ومجرد أدوات في يد تلك الشخصيات لتنفيذ العدوان".
وذكر منها "سيطرة شخصية الأم، أو غياب الأب، في تربية الأطفال. إذ تضطلع الأم بدور مزدوج في الحب والرعاية والتربية والتقويم. ومن ثَم، فإنها، كأنثى، هي التي ستلقنه قِيم الصواب والخطأ. ومن دون وعي، ترتبط تلك القِيم بشخص الأم وجنسها، كأنثى، فيصبح السلوك الحسن نمطاً أنثوياً، من وجهة نظر الطفل. لذا، فعند نمو نزعة الذكورة، التي تحدث خلال المراهقة، أو قبْلها، يصبح الولد مضطراً لاشعورياً إلى انتهاج السلوك المخالف، بغية إثبات الذكورة".
ومنها أيضاً -بحسب الحارثي- "الشعور بالتعاسة والإحباط، والتعبير عن الرفض الداخلي. ويُعَدّ الإحباط من النظريات، التي تفسر حدوث العدوان، والشعور بالذنب، والحاجة اللاشعورية إلى العقاب. إذ يكون الشعور بالذنب، هو الدافع إلى السلوك العدواني. بل يقدم على ارتكاب ما يستوجب العقاب، لينال عقابه، وبعد أن يُعاقب، يشعر بالرضا والتوازن النفسي. ولكنه يكرر السلوك العدواني، لاشعورياً، كلما شعر بحاجة إلى العقاب".
ووجه الحارثي نصائح عن كيف يتم علاج هذه الشخصيات والتعامل معها: قائلاً: "أصغ إليه جيداً لكي تمتص انفعاله وغضبه. حافظ على هدوئك معه دائماً ولا تنفعل أمامه. لا تأخذ كلامه على أنه يمس شخصيتك. تمسك بوجهة نظرك ودافع عنها بقوة الحجة والبرهان. أعده إلى نقاط الموضوع المتفق عليها. استخدم معه المنطق وابتعد عن العاطفة. ابتسم وحافظ على جو المرح. استعمل أسلوب: نعم... ولكن".