طالب رجل الأعمال والمتخصص في مجال الأوقاف يوسف بن عوض الأحمدي بتأسيس شركة استثمارية وتجارية عملاقة تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية، يسند إليها استثمار وتنمية أموال الجمعيات الخيرية والأوقاف التي تديرها، وشركة أخرى بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية تتبنى تنمية واستثمار الأموال المخصصة للمكاتب الدعوية. وفي التفاصيل، اقترح الأحمدي أن تطرح أسهم هاتين الشركتين للاكتتاب العام، بمساهمة الأفراد والشركات والمؤسسات، ويحق لهاتين الشركتين قبول الهبات والوصايا والأوقاف. وقدر رأس مال هاتين الشركتين بأكثر من 10 مليارات ريال مبدئياً، ويقوم تأسيسهما على دراسات معمقة ومن بيوت خبرة.
جاء ذلك في اللقاء الذي نظمته لجنة الأوقاف في الغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة تحت عنوان "تجربتي مع الوقف"، الذي تحدث فيه الأحمدي عن ملامح علاقته وتجربته مع الأوقاف والواقفين.
واسترجع الأحمدي ذكرياته مع الأوقاف قبل 23 عاماً بقوله: كانت البداية عام 1413ه عندما كُلفت من رجلي الأعمال والبر محمد وعبد الله السبيعي بالإشراف على بعض الأعمال الخيرية لهما بمكةالمكرمة، ومنها مدارس وحلق تحفيظ للقرآن الكريم، وكان لهم الفضل بعد الله تعالى في تخصصي في إدارة الأوقاف ومعرفة جل مشاكل ومعوقات العمل الوقفي؛ ما دعاني إلى طرح دراسة مشروع إيجاد أوقاف نوعية في الإدارة والتخصص والخدمات لمواكبة المستجدات وتلبية حاجات المجتمع وجذب الواقفين وخدمة الفئات المستهدفة، فتم تأسيس شركة متخصصة في البحث عن الأفكار الخلاقة التي تؤسس للتطوير والتنمية العمرانية والعقارية والاستثمارية.
وأضاف: لم يكن لكل الأفكار التي جمعت للتطوير أن تنفذ إلا من خلال تبني مظلة لها، فكان أول لقاء لي بصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض حالياً لطرح تلك الأفكار والتطلعات، وذكرته بكلمات والده خادم الحرمين الشريفين أثناء زيارته للصين عندما قال "إن لدينا ما هو أفضل من البترول ومما نفتخر به (مكةالمكرمة والمدينة المنورة)"، وأخبرته بأن مكة منذ ثلاثين عاماً لم تحظَ بمشاريع تنموية في جميع المجالات بما فيها دعم بنيتها التحتية، ولا بد أن تكون الأوقاف جزءاً من المنظومة التي يجب أن يعتمد عليها. وقد شرفت بتعيين سموه لي مستشاراً لتنمية وخدمات مكةالمكرمة.
وأضاف: كانت الانطلاقة من خلال جمعية مراكز الأحياء بتخصيص وقف الأفكار رقم 1 ووقف الأفكار رقم 2 ب؛ إذخصصت هذه الأوقاف لتكون أشبه بمطبخ لإدارة المشروع لدراسة وتنفيذ وتقييم مشاريعها الخيرية، وكان ذلك في رمضان 1429ه، بحضور نخبة من أهل العلم والفكر، وأخذت على نفسي عهداً بأن يكون لي في كل رمضان إعلانعن وقف أو اثنين، والآن أصبحت - ولله الحمد - أكثر من 80 وقفاً منوعاً في المجالات الصحية والعلمية والدعوية والاجتماعية والحقوقية.
ومن خلال تجربته في عالم العقار والاستثمار لخص الشيخ الأحمدي أبرز خمسة أسباب ساهمت في تنمية ثروته بعد عون وتوفيق الله تعالى، هي إخلاص النية والبحث عن الشريك الصالح وتنويع الاستثمار وقضاء حوائج الناس والإنفاق في سبيل الله تعالى.
وقال: والله ما أساهم في وقف أو عمل خيري إلا وأرى أثرها أمام عيني، ويضاعف لي الله ما أنفقت أضعافاً كثيرة، وقد لمست بركة الإنفاق في نفسي وأولادي وراحتي. مطالباً بأن تربط النية بالإنفاق وليس من أجل زيادة المال.
ولخص مجالات الأوقاف التي أوقفها في مجال خدمة العمل الاجتماعي والدعوي والإعلام الإسلامي الهادف، مشيراً إلىنجاحه في تحويل مزرعة مساحتها 25 ألف م2، تبلغ قيمتها السوقية بين 30 و40 مليون ريال، إلى مدينة وقفية تضم 700 قطعة سكنية، خُصصت لبناء أوقاف استثمارية منوعة ببناء فاخر وبنية تحتية وتصميم حديث، فيما سيكون ريعها وقفاً لخدمة العمل الخيري، بمعنى أنه ليس لها وريث سوى العمل الخيري.
وفي ظل شغفه بالوقف النوعي كشف الأحمدي عن تخصيص 160 ألف م2 لقرية تعليمية، تضم مدارس ومعاهد تدريب وتعليم تقني في منطقة الفيحاء بمكة، وتم تسليم هذا الموقع لوزارة التربية والتعليم.
وطالب الأحمدي بمواكبة الأوقاف لحاجات الأفراد من المحتاجين، كأن يكون هناك "وقف السائق والخادمة"، وهدفه مساعدة الفئات العاجزة والمعزولة التي تحتاج للخادمة والسائق.
ويرى الأحمدي أن تقديم القروض الميسرة للمعوزين من المجالات المهمة التي تقيهم لسعات القروض البنكية؛ إذخصص وقفاً باسم القرض الحسن، هدفه تقديم القروض بضمانات تلزم المستفيد بالسداد، وتضمن أموال الداعمين، وتحفظ حقوقهم.
وأردف: لا أدل على تنامي بركة الوقف من أن أوقاف خصصت بأموال بسيطة أصبحت اليوم تقدر بملايين الريالات، وهو ما كشف عنه الأحمدي من خلال تخصيص واقف من منطقة بخارى، يدعى "نورق الباي"، لعقارات قبل 120 عاماً بقيمة 4000 ريال، وتقدر اليوم بأكثر من 700 مليون ريال، وكذلك وقف حيدر أباد لحجاج الهند الذي أوقف بقيمة 14 مليون ريال، وهو اليوم يقدر بأكثر من 140 مليون ريال.
وأبان الأحمدي وجود مركز متخصص يقدم الأفكار الوقفية مجاناً، ويتولى آلية التسجيل، وهي وثبة طموحة يجب أن تعمم وتدعم من قبل الجهات المعنية؛ إذ يتولى إعداد استمارة جاهزة تمكّن الواقف من الوقف بسرعة ونظامية، وأن للجنة الأوقاف اليوم شراكات مع محامين لتحمل أتعاب الأوقاف المهجورة، أو التي لا يستطيع أصحابها الدفع بها إلى الأمام.
مداخلات اللقاء جمعت حزمة من الأفكار والتساؤلات لدفع العمل الوقفي إلى آفاق أوسع؛ إذ تساءل الدكتور عبد العزيز الحربي رئيس مجمع اللغة العربية عما إذا كان هناك وقف مخصص لخدمة اللغة العربية، واستدرك "لم أعلم أن واقفين خصصوا أوقافاً للغة الضاد". مطالباً بعضوية ممثل لغوي للنظر والتدقيق في صكوك الواقفين تجنباً لأي كلمات تتسبب في حدوث إشكال لدى الناظر والقاضي بحيث تكون أهداف الوقف واضحة.
وفي الاتجاه ذاته، طالب سليمان بن عواض الزايدي، عضو مجلس الشورى سابقاً، بدعم لجان نظر الأوقاف في المحاكم بمتخصصين، وتطوير أعضاء هذه اللجان لمواكبة اتجاه الدولة في تطوير الأوقاف، منها تأسيس الحكومة لهيئة الأوقاف السعودية.