قال الخبير التربوي عبدالعزيز الراشد: "إن التوصية التي تَقَدَّم بها أحد أعضاء الشورى على تقرير وزارة التربية والتعليم، الذي يناقشه المجلس في جلسته الاثنين القادم، يطالب فيها بتطبيق حصة للتربية البدنية في مدارس البنات؛ مقدماً مسوغات مقبولة في محاولة لاستصدار قرار من المجلس بهذا الشأن". وأضاف "الراشد" ل"سبق" إن التوصية تستحق الدراسة والشرح والتأمل، وتستحق الوقوف عندها؛ لأنها لامست قضية مهمة؛ بل قضية خطيرة وهي صحة (جيل)".
وقال: "إن هذا الجيل -مع الأسف- عانى أشد المعاناة من أمراض فتاكة لم تكن معروفة من قبل، ساهم في انتشارها نوعية الغذاء، والكسل، والخمول، وعدم الحركة، كما ساهم في انتشارها بعض الأعراف المجتمعية الخاطئة؛ هذه الأمراض الخطيرة أعاقت الكثير من الفتيات وألحقت بهن عجزاً جسمانياً؛ بل ربما كانت وراء موت الفجأة للبعض منهن.. فوق ما تُلحقه باقتصادنا من خسائر؛ نتيجة الحاجة المستمرة للتوسع في الوقاية والعلاج، وافتتاح المزيد من المستشفيات واستقطاب المزيد من العاملين لمواجهة هذه الأمراض التي كان في وسعنا تحاشي وجودها -بإذن الله تعالى- لو راعينا الغذاء الصحي السليم، ولو ألزمنا فتياتنا ببعض التمارين اليومية التي تُسهم في تحريك الدورة الدموية وتنشط الجسم وتحافظ على لياقته بعيداً عن الترهل".
وقال الخبير التربوي عبدالعزيز الراشد: "لعل من المناسب أن نوضّح هنا أن هذه التوصية التي تَقَدّم بها عضو الشورى تهدف إلى تحقيق فوائد ومكاسب صحية وطبية ومقاومة الكثير من الأمراض الخطيرة التي بدأت تنهش في أجساد فتياتنا؛ نتيجة مجموعة عوامل من أبرزها نوع الغذاء وعدم الحركة؛ فهي مجرد دعوة للمزيد من الحركة وتمرين الجسم، ومحاربة السكون والركود التي جلبت تلك الأمراض نتيجة السمنة المفرطة".
هذه التوصية ليست دعوة لتأسيس رياضة للفتيات، ولا دعوة لإنشاء نوادٍ رياضية للفتيات، ولا نبحث عن محترفات في المجالات الرياضية، ولا شأن لها أبداً بالرياضة كاحتراف ومسابقات وبطولات؛ ولكنه مجرد صحة وتمرين ووقاية، هو ليس طلب رياضة؛ بل طلب عافية وصحة ووقاية.
وأضاف أن الأمر ليس تأسيساً لمحترفي رياضة كما يتوهم البعض، ولا شأن له بالهم الرياضي المعروف؛ ولكنه سعي للوقاية من أمراض غزت فتياتنا؛ أقلها مع الأسف: السكري، وضغط الدم، والكلسترول، وأمراض القلب، ولا يمكن لأحد أن يجهل أو يُنكر أهمية التمارين والحركة في الوقاية بإذن الله من هذه الأمراض التي انتشرت في أوساطنا.
وقال: "لا أحد يجهل الفوائد الصحية والنفسية للحركة والمشي وتمرين الجسم؛ فعند مراجعتنا لأي طبيب ينصح دوماً بالحركة وتمرين الجسد والبُعد عن الكسل والخمول وقلة الحركة؛ فهذه التمارين وهذه التربية البدنية هي في مكان آمن وهو المدارس، بعيداً عن أعين الرجال، وأن تكون الفتيات في كامل لباسها الشرعي المحتشم".
وأشار "الراشد" إلى أن هذه ممارسة نشاط وتمرين وتنشيط بدني للجسم وحركة للدم، وليست للتأهيل والتدريب الرياضي، ولا بحثاً عن مسابقات وبطولات ولا احتراف ولا مشاركات داخلية ولا خارجية؛ فهذا له شأن آخر، وله مجال آخر؛ إنها مجرد ممارسة لنشاط بدني في حصة محددة في مكان محدد، هي نشاط للياقة البدنية في حدود أسوار المدرسة، وهو شيء يشبه ممارسة المرأة تمريناً رياضياً في خلوتها داخل منزلها أو في مكان مغلق عليها؛ وفق شروط وضوابط شرعية حددها الفقهاء، وأن تكون فوق ذلك مناسبة لجسمها ولطبيعتها وتكوينها، ولا تُلحق أذى ولا ضرراً بها من أي زاوية كانت؛ على أن تبتعد عن التمارين القاسية والعنيفة وكل ما يخرجها عن هذا الهدف الذي أشرنا إليه، مع الحرص الشديد على مواجهة أي تجاوز.
وقال "الراشد": إن علماءنا الأجلّاء -أو أقول أكثرهم- هم على جواز هذه التمارين والتدريبات، إذا ما اقترنت بالضوابط الشرعية التي بيّنها العلماء، وهو عدم التبرج والسفور، والبعد عن الاختلاط، وتحت إشراف تربوي دقيق، وأن تخلو من كل سبب محرم، أو كل ما يفضي إلى محرم، وأن الشريعة الإسلامية رغّبت في تقوية الأجساد والمحافظة عليها؛ فهذه التربية البدنية المطلوبة هي وسيلة لتحقيق مكاسب صحية وليست غاية للرياضة كرياضة.
وأكد أن هذه التوصية ليست دعوة لممارسة الألعاب الرياضية المعروفة ولا المشاركة في بطولات، ويقول الفقيه والعالم الدكتور عبدالله بن بيه -وزير العدل الموريتاني السابق ونائب رئيس اتحاد علماء المسلمين- عندما سُئل عن حكم ممارسة النساء للرياضة، وإضافة حصة خاصة للتربية البدنية في مدارس البنات: "الأمر ظاهره الجواز، إذا لم يكن هناك اختلاط بالرجال وهن في المدرسة وحدهن، والرياضة مطلوبة لإصلاح الجسم والعقل، ومن شأنها تمكين الإنسان من القيام بمهماته بقدرة فائقة، وهي مطلوبة إن لم يكن هناك مانع شرعي كأن يختلي بالمرأة رجل أجنبي أو يستلزم الأمر أن تخلع ملابسها بصورة تخدش الحياء".
وحذّر فضيلة الشيخ "ابن بيه" من التوسع في قاعدة سد الذرائع، وطالب فضيلته بالابتعاد عن التضييق على الناس بالذرائع التي ليست سوى نوع من الوهم والوسوسة، وإذا عارضت مصلحة فإنها لا تكون معتبرة. وهناك أكثر من فقيه من الفقهاء المعروفين أجازوا هذا العمل ولم يروا فيه ما يوجب منعه؛ ذلك أنه لا يوجد نصوص شرعية تمنعه؛ بل إن النصوص من الكتاب والسنة تدعمه مثل سباق النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها وكان خارج منزله.
وقال عبدالعزيز الراشد: "لست هنا لأدوّن النصوص الشرعية التي تجيزه؛ فهي كثيرة، ولست هنا أيضاً لاستعراض آراء الفقهاء المبيحة لهذا العمل؛ فهي أيضاً كثيرة؛ غير أن أكثر المتوقفين في هذا الشأن أو المانعين منه لم يحتجوا بنصوص شرعية؛ بل احتجوا بقاعدة سد الذرائع وأعملوها هنا؛ برغم ترتب ضرر كبير على الفتيات عندما يمنعن من تنشيط أجسادهن وتحريك الدورة الدموية بشكل جماعي يساعد من لا يعرف ولا يملك معلومات عن هذه التمارين أن يستفيد كل يوم تقريباً شيئاً من التدريب ومحاربة الخمول وكسل الجسم، وما قد يصاحبه من أمراض غزت أجساد فتياتنا".
وأضاف: "مما ينبغي الإشارة إليه هنا أن فقهاءنا الأجلّاء الذين لهم رأي متحفظ في هذه الأسئلة ويرون منع ذلك، لم يعايشوا هذه الحالة التي وصلت إليها أكثر الفتيات من ترهل وسمنة مفرطة وأمراض مستعصية حار فيها الأطباء، وكان بالإمكان تحاشيها -بإرادة الله- لو خضعت أولئك الفتيات لبعض التمارين البدنية؛ فنحن إزاء حالات مرضية تستدعي الوقاية قبل العلاج؛ لأن التمارين الرياضية أو اللياقة البدنية أصبحت اليوم علاجاً فعالاً؛ بل ربما أحياناً تكون هي العلاج الوحيد للعديد من الأمراض الشائعة التي فتكت بمجتمعنا".
وطالب أن يكون هناك تفهم لهذا المطلب وإخضاعه للدراسة والتأمل وعدم التسرع في الحكم عليه دون معرفة منافعه وأهدافه.