ما إن يتربع القمر في صدر السماء، وينير بسحره الأجواء، يكتظ أرخبيل جزر جازان بالزوار والمنتزهين؛ وذلك بعد أن أُتيحت لهم فرصة رحلات التنزه الرسمية، التي يشرف عليها مجلس التنمية السياحية بجازان بمبالغ رمزية عن طريق مرسى الحافة الذي دُشّن مؤخراً. ويعتبر المرسى الأول من نوعه، ويمكن للأهالي والزوار من خلاله التنقل في أرخبيل جزر منطقة جازان، الواقعة على أطراف الساحل الجنوبي الغربي للسعودية، والذي يتكون من 150 جزيرة، وهبها الله جمالاً طبيعياً ومناظر خلابة، ويمتلك أراضي بكراً وسواحل جذابة؛ حيث يقصده الزوار؛ لكونه أكثر أماناً وتنظيماً، وتُشرف عليه الهيئة العامة للسياحة الآثار بجازان.
وكان تدشين التاكسي البحري قد جاء بتوجيه من أمير منطقة جازان محمد بن ناصر بن عبدالعزيز؛ حيث تم إطلاق أول رحلة من التاكسي البحري بين منطقة جازان وجزيرة فرسان؛ وذلك في مرسى الحافة السياحي المخصص لقوارب النزهة وقوارب ركاب جزيرة فرسان.
الأولي وليست الأخيرة
التقت "سبق" بعدد من المتنزهين الذي عبّروا عن إعجابهم وفرحتهم بهذا التنظيم الذي مكّنهم من الإبحار إلى الجزر بكل أمان؛ حيث قال الزائر من خارج المنطقة إبراهيم الحسين: إنها كانت أول رحلة له داخل البحار، وهي الذهاب إلى جزيرة أم الكدف الرائعة.
وذكر أن هذه الرحلة الأولى ولكن ليست الأخيرة؛ مبيناً أنه لم يكن يتوقع أنها سوف تكون بهذا الجمال، وأنها كانت في مخيلته جزيرة تشبه البقعة المهجورة وسط المياه؛ ولكن حين زيارته لها تغيرت نظرته إليها وقد وعد أصدقاءه بزيارة أخرى لها قريباً.
التنور أهم مميزات الجزر
بدوره قال أحد مالكي التاكسي البحري إبراهيم بكري -والذي يُبحر دائماً- إلى جزيرة أحبار: "إن الرحلة تبدأ من بعد صلاة العصر لكل يوم؛ حيث يتجه لمرسى الحافة لأخذ مستلزمات الرحلة وتوفير خزانات كبيرة من الوقود والماء؛ حيث لا يوجد ماء في تلك الجزيرة، وهو من أهم مطالب المتنزهين في تلك الجزيرة".
وأضاف: "ثم يبدأ في استقبال زبائنه الذين يقومون بقطع تذاكر الإبحار عن طريق مكتب المرسى، وتبدأ رحلة المسير من جازان بين الرياح العاتية والأمواج، إلى أن يصل إلى جزيرة أحبار، التي تبعد قرابة 17 كيلومترت من موقع المرسى، وحين الوصول للجزيرة يتم تجهيز "الميفا" أي التنور، الذي يُعِدّون فيه السمك؛ حيث يتوفر في كل جزيرة عدد من التنانير الذي أعدها الصيادون لكل الزوار، وهي مجانية للكل، وهي من أهم ما تتميز به الجزيرة".
وتابع: "بعد ذلك نقوم برحلة الصيد، ومن ثم نعود لشواء الأسماك التي نقوم باصطيادها ومن ثم يجتمع أبناء المنطقة في تلك الجزيرة، وتبدأ ليلة السمر حتى ساعات متأخرة من الليل على ضوء القمر إلى فجر اليوم الثاني؛ حيث يمارس المتنزهون السباحة ومن ثم يعودون إلى جازان".
صندقة الصيادين استراحة مجانية
تحتوي الجزيرة على عدة استراحات بناها الصيادون الذين يقصدون تلك الجزيرة لعدة أيام؛ ولكن ثمة استراحة لا يوجد لها مثيل هي عبارة عن "صندقة" تُبنى من قطع الخشب ويوجد بداخلها عدة جلسات، ولا تتجاوز مساحة الاستراحة الواحدة عشرة أمتار.
وهذه الاستراحات للتظلل من سطوع الشمس، أما باقي الأوقات فيقضيها الصياد أو الزائر على رمالها البراقة وتحت ظلال نخيلها، ويعتمد الزوار على الاستظلال بهذه الصندقة.
"جزيرة الفوتوغرافيين"
ويقصد المهتمون بالتصوير الفوتوغرافي "السياحي" من السعوديين على وجه الخصوص أرخبيل، دون جزر جازان وفرسان المتناثرة على ساحل البحر الأحمر؛ لما فيها من طبيعة بكر وشواطئ جذابة ومياه صافية وجبال صخرية وطبيعة رائعة.
كما تعتبر جزيرة "دمسك" على وجه الخصوص مقصد وواجهة الفوتوغرافيين وقِبلتهم؛ لما تحتويه من مناظر خلابة طبيعية "خام"؛ مما جعلهم يطلقون عليها "جزيرة الفوتوغرافيين".
وتبعد دمسك عن جازانالمدينة قرابة 75 كيلومتراً غرباً، وتحتوي على شواطئ جذابة ومياه صافية وجبال صخرية وطبيعة رائعة، وفي مدخلها خور صخري يمتع الناظرين بجمالة وطبيعته الساحرة، وتحتوي هذه الجزيرة على عدد من الطيور النادرة مثل النورس والقماري.
وتحتضن الجزيرة نباتات وأسماك نادرة؛ حيث يقصد تلك الجزيرة الفوتوغرافيون من شتى أنحاء المملكة؛ ليلتقطوا من جمال طبيعتها لوحة فوتوغرافية يتمتع بها الناظرين.
وفي فصل الشتاء تنظم جماعات التصوير في عدد من مناطق المملكة رحلات التصوير الفوتوغرافي السياحي، ويقصدون جزيرة "تمسك" لتنفيذ ورش العمل فيها. وكانت جماعة "كلك" للتصوير الضوئي بجازان قد نظمت رحلة استكشافية عن التصوير السياحي، استضافت فيها 14 مصوراً فوتوغرافياً على مستوى المملكة، كما نظّمت جماعة عسير للتصوير الضوئي رحلات عدة للجزيرة برفقة العديد من المصورين من منطقة عسير.
مكونات مرفأ التاكسي البحري
يتكون المرفأ -الذي يحتضن اللموزين البحري- من صالة ركاب للرجال وأخرى للنساء، مزوده بكافتريا ومسجد ومكتب للحجوزات ومكتب وتنظيم الرحلات السياحية مخصص لحرس الحدود، وروعيت في التصميم النواحي الجمالية ذات الصبغة البحرية؛ إذ شكّل الموقع لمحة جمالية إضافية على ساحل مدينة جازان، ويعتمد التنقل باستخدام لموزين النقل البحري أسلوب الحجز المسبق من قِبَل مكتب الحجوزات المخصص بالمرسى.
وتقوم إدارة المرسى بتنظيم رحلات سياحية "نزهات بحرية" إلى العديد من الجزر الشهيرة في أرخبيل جزر فرسان وجزر جازان التي تتمتع بمناظر خلابة، إضافة إلى الشعب المرجانية وممارسة الهوايات البحرية؛ كالغوص والصيد بطريقة آمنة تراعى فيها وسائل السلامة للمتنزهين والسائحين كافة.
نواة لرؤية أوسع
وأوضح المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة جازان المهندس رستم بن مقبول الكبيسي أن هذا المشروع نواة لرؤية أوسع وأعمق، رسمها أمير منطقة جازان محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، بدعم من رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، في استغلال واستثمار جمال شواطئ جازان وفرسان والمواقع الجميلة التي تتوفر بالعديد من الجزر القريبة من جازان وفرسان، تحقيقاً للرؤية التي رسمها مجلس التنمية السياحية بالمنطقة بأن تكون منطقة جازان إحدى أهم وجهات سياحة الشواطئ، والسياحة البحرية، وسياحة المنتجعات الصحية في المملكة، المعززة بسياحة المرتفعات الجبلية والتراث الثقافي بالمملكة.
وأضاف: "نطمع في استقطاب العدد الأكبر من محبي ارتياد البحر والشواطئ وتوفير كل متطلبات التنزه في ظروف منظمة وآمنة ومريحة، وسيناظر المرسى جازان موقعٌ مماثل في فرسان قريباً؛ لإحداث عملية تكامل هذه الخدمة التي نأمل أن تلقى استحسان المواطنين السياح والزوار".
وتابع: "لا يفوتني أن أثني على الدعم اللا محدود الذي نجده في قطاع السياحة من قِبَل رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، والذي يحرص على مناقشة كل تصورات تطوير وتحسين الخدمات السياحية في المنطقة؛ بل ويشدد على ضرورة تحقيق أقصى مستويات الخدمة والتسهيلات فيها".
تطوير جزيرة أحبار
وقد وجّه أمير منطقة جازان، بتطوير جزيرة أحبار؛ لتكون منتجعاً سياحياً للسياح والزوار والصيادين، بعد أن كان يعاني قاصدو النزهة في الجزيرة وعدد من الصيادين، انعدام الاهتمام من الجهات ذات العلاقة بالسياحة والترفيه في منطقة جازان.
وتشهد الجزيرة إقبالاً متزايداً في أعداد روادها من المتنزهين والسياح لمنطقة جازان. وقد بادرت الهيئة العامة للسياحة والآثار -بالتعاون مع أمانة منطقة جازان ومجلس التنمية السياحية والشركاء بالمنطقة- إلى تهيئة وتطوير الجزر لتنمية سياحة اليوم الواحد بجزر جازان الجميلة؛ نظراً للإقبال الكبير من قِبَل سياح المنطقة للذهاب للجزر القريبة من مدينة جازان بغرض النزهة والصيد.
وأوضح وكيل إمارة منطقة جازان الدكتور عبدالله السويد ل"سبق" أن تهيئة وتطوير جزيرة أحبار، يأتي بتوجيهات من أمير المنطقة، وأكد أنه لا بد أن نوفر للسائح والزائر كل ما يحتاجه من تهيئة الأماكن التي يزورها.
والتقى "السويد" عدداً من الصيادين، واستمع لمعاناتهم في الجزيرة وما يواجهونه من مصاعب فيها وعدم الاهتمام بالجزيرة، ووعدهم "السويد" بتوفير بيئة مناسبة لهم وبناء استراحات خاصة للصيادين في الجزيرة.
وبيّن أنه سيتم البدء بتهيئة الجزيرة مباشرة بعدد من الجلسات، ورصيف للقوارب، ومقهى ومطعم للأسماك، ودورات مياه، وتوفير بعض الأنشطة البحرية التي تستهوي السياح.
وأضاف: "المشروع يعتبر نواة لمشروع استثماري كبير، نأمل من خلاله أن يحفز رجال الأعمال للاستثمار على تطوير الجزيرة، وإقامة منتجع بحري متكامل الخدمات؛ لا سيما بعد موافقة المقام السامي على زيادة المُدَد الإيجارية للمواقع السياحية التي تصل في مجملها إلى 50 سنة".