افتتح أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، اليوم، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، المؤتمر العالمي الثاني الذي تعقده رابطة العالم الإسلامي في مقرها بمكةالمكرمة، بعنوان "العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول". وبدأت أعمال المؤتمر بالقرآن الكريم، ثم ألقيت كلمة المشاركين في المؤتمر على لسان رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان الدكتور عصام الدين بن أحمد البشير، الذي رفع الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني على جهودهم في خدمة الإسلام والمسلمين.
وقال الدكتور "البشير": "يعقد هذا المؤتمر الجامع الذي هو ثمرة لمؤتمر القمة الإسلامية للتضامن برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، في بلاد لها في عنق كل مسلم يد سلفت ودين مستحق، ويأتي هذا المؤتمر في رحاب رابطة العالم الإسلامي التي ما زالت بفضل الله ثم بفضل جهود أمينها العام تحث الخطى نحو غايات كريمة سامية، ومبادرات بناءة نافعة، تعالج من خلالها هموم أمتنا، ومشكلات واقعنا، وتفتح الباب واسعاً رحيباً لعلماء الأمة وأهل الرأي فيها ليشخصوا العلل والأدواء، ويقدموا العلاج النّاجع المستمد من نظم الإسلام الصالحة ومنابعه التي لا تكدرها الدلاء".
وأضاف: "التطلع للغد المشرق والمستقبل العزيز لشعوبنا المسلمة حلمٌ راود أخيلة الغيورين وأمنيةٌ عزيزة من الأماني التي تسعى إليها ثلة من العاملين المخلصين بيد أنّ هذا المطلب المشروع لا يتحقق بالأمنيات وحدها وإنمّا يحققه إيمان راسخ بأن التضامن فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع إرادة لا يتطرق إليها ضعف ولا لين".
وأردف "البشير": "نؤكد التضامن الذي نتمنى مناقشة قضاياه وهمومه في مؤتمرنا هذا قضية حيّة تداولتها كثير من الأقلام والعقول وقامت لها في عالمنا الإسلامي نماذج ومؤسسات عقدت عليها آمال عريضة في جمع كلمة المسلمين ودرء آفات الفتنة والتشرذم عنهم".
من ناحيته، قال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن التركي: "لا يخفى أن الأمة الإسلامية اليوم تتعرض لمحن أليمة، مما يستوجب على كل ذي تأثير فيها، أن يساهم بما يستطيع في تجاوزها أو تخفيفها ولقد عقدت الرابطة مؤتمرها الأول عن العالم الإسلامي، الذي ركز على المشكلات والحلول، ولقيت اهتماماً وتشجيعاً من خادم الحرمين الشريفين".
وأضاف: "لقد تابعت الرابطة مؤتمر القمة الاستثنائي الرابع، المنعقد في مكةالمكرمة في رمضان عام 1433ه، بدعوة ورعاية خادم الحرمين الشريفين حول التضامن الإسلامي، ورأت أن تساهم في تنفيذ توصياته، فجاء عقد هذا المؤتمر لتوعية الأمة بأهمية التضامن الإسلامي ونشر ثقافته بين فئاتها المختلفة، والاهتمام بالمشاريع والبرامج العملية ودعم مؤسسات التواصل والتعاون بين المسلمين، والتصدي لما يزعزع الثقة بينهم، ويثير العداوة والبغضاء التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: "إياكم وسوءَ ذات البين، فإنها الحالقة"، وسوء ذات البين هي العداوة والبغضاء، والحالقة هي التي تحلق الدين".
وأردف الدكتور "التركي": "الدعوة إلى التضامن الإسلامي انطلقت منذ أن أنشئت الرابطة قبل 50 عاماً لإصلاح ما تأثر في تلك الحقبة العصيبة من المبادئ والقيم التي تجمع الأمة وتصل بعضها ببعض، وتذكر وعيها وضميرها بأن انتماءها الإسلامي الجامع لم يكن في يوم من الأيام، إلا عاملاً من عوامل الوئام والتعايش بين المكونات القومية والعرقية والطائفية لشعوبها وأثمرت الجهود التي بذلت في التضامن الإسلامي نتائج، منها إنشاء منظمة التعاون الإسلامي والهيئات التابعة لها".
وتابع: "التاريخ يشهد على ما للمملكة العربية السعودية، وقادتها منذ عهد الإمام الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود وأبنائه البررة من بعده، من جهود في التضامن الإسلامي، وإن خادم الحرمين الشريفين الملكَ عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يقوم بجهود عظيمة في جمع شمل الأمة الإسلامية وتضامنها في وقت أصبح العالم الإسلامي، تتوفر في أبنائه مؤهلات تخصصية في مختلف المجالات، قادرة على إدارة شؤونه وحل مشكلاته، بما يمكن من تحويل التضامن الإسلامي من فكرة إلى برامج عمل شاملة، تتعاون الأمة في تنفيذها ومما ينبغي أن يحفز الهمم إلى تحقيق التضامن حيث أن العالم من حولنا أصبح منفتحاً بعضه على بعض، متماسكاً بشبكة من العلاقات التكاملية".
وقال "التركي": "التوعية بضرورة التضامن للأمة والعمل على تحقيقه مسؤولية مشتركة بين الجهات الرسمية والشعبية، ومن أبرز العوائق أمام التضامن الإسلامي تتمثل في الواقع الإسلامي وتصور الحلول لمشكلاته بمنطلقات تتنكر لتراث الأمة الذي يختزن ثقافتها ويحافظ على هويتها الإسلامية المنطلقة من رسالة خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام".
وأضاف: "التجارب في تاريخ الأمة المسلمة وحاضرها تؤكد أن حالها لا يصلح بمناهج تعارض الدين والمنهج الذي جاء به في إدارة شؤون المجتمع ولا يمكن السير بها في نهضة حقيقية إلا ضمن إطارها الحضاري، ومنظوماتها الثقافية".
وأردف: "من العوائق الخلاف بين فئات من المسلمين في توجهاتهم، سواء أكانت سياسية أم فكرية أم دينية، وهذا لا يعيق الأمة عن تحقيق التضامن وتنمية العلاقات الدولية الإسلامية فحسب، بل يعد تحدياً كبيراً للاستقرار الداخلي والتنمية الوطنية".
وتابع: "علاج ذلك يعتمد على ممارسة قدر كبير من الحوار بشروطه وضوابطه لتصحيح المفاهيم والتصورات الخاطئة، وتهيئة جو من الاعتدال في الآراء والمواقف والتعامل مع المخالف، وفضاءٍ آمن للتعايش والتعاون بين أبنائها والتعامل بالأخلاق الإسلامية من إحسان الظن بالآخرين والإخلاص في الأقوال والأعمال، واجتناب التنافس على الزعامة والنفوذ وتحري المصلحة الشرعية قبل المصلحة الدنيوية، والمصلحة العامة للأمة والوطن الإسلامي كله، على المصلحة الشخصية أو الحزبية أو الفئوية".
وقال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: "مما يؤثر على وحدة الأمة التعصب الطائفي والحزبي، الذي زاد انتشارهما، ونحن نحمّل وسائل الإعلام ومؤسسات العلم والدعوة والثقافة مسؤولية كبيرة في تأصيل ثقافة التضامن في نفوس الناس، وتحقيقه في مختلف المجالات والتخصصات وتحذير الأمة من التحزب والطائفية المثيرة للعداء وإذا خلصت النوايا، وأخذ المسلمون بالأسباب فإن النتائج ستكون إيجابية وهذا ما طمح إليه خادم الحرمين الشريفين في الاهتمام بتضامن المسلمين وعقد مؤتمر القمة الاستثنائي لزعمائهم من أجله".
وأضاف الدكتور "التركي": "هذا المؤتمر الذي يفتتح اليوم جمَعَ شخصياتٍ متميزةً في العلم والفكر في الأمة المسلمة، يجب عليه أن يوجّه رسالة واضحة للمسلمين قادة وشعوباً عن أهمية ارتباطهم الحق بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وأن يتضامنوا في ذلك، مما سيرفع شأنهم ويعزز مكانتهم العالمية".
من جهته، قال مفتي عام المملكة رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ: "من فضل الله على المسلمين أن أوجد بينهم رابطة وأمرهم بالاعتصام بحبله وعدم التفرق ونهاهم عن الفرقة، وإن الإيمان هو الرابطة بين جميع المسلمين ولا بد من التأكيد على أهمية التضامن الذي يجب أن يكون على الدعوة إلى الله والتمسك بدينه وعبادته سبحانه وهو أعظم المطالب، والتضامن الإسلامي يشمل التعاون في تحكيم الشرع الإسلامي والدفاع عن العقيدة وعن أمة المسلمين".
وأشار إلى ما يقتضيه التضامن من التعاون في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وسائر المجالات، وقال: "يجب على الأمة أن تسعى إلى وحدة الكلمة في التعاون والتضامن على مواجهة التحديات، ونطالب وسائل الإعلام الإسلامية بأن تقوم بدورها في تعزيز وحده المسلمين وتضامنهم".
وأضاف: "بعض شعوب الأمة تعاني من مصائب جليلة، وعلى الأمة مساعدتها تحقيقا لوحدة الأمة، لأن ترك تطبيق الشريعة يورث المصائب والفتن، فعلى الأمة تطبيق الشرع الذي يأتي بكل خير، ونسأل المولى عز وجل أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين لكل ما فيه خير الإسلام والمسلمين".
عقب ذلك ألقيت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ألقاها نيابة عنه أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، حيث قال: "أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد.. فقد شرفني سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بنقل تحياته الكريمة لكم، وترحيبه بكم في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية، وافتتاح هذا المؤتمر نيابة عن مقامه الكريم وإلقاء كلمته التالية:
"أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة أشكر رابطة العالم الإسلامي والمسؤولين فيها على عقد هذا المؤتمر مؤتمر العالم الإسلامي الثاني بعنوان "العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول" واختيار التضامن الإسلامي موضوعاً لأبحاثه ومناقشاته، فبالتضامن تتوافق جهودكم على المستويات الشعبية مع جهود القادة على المستويات الرسمية وتلتقي على خدمة أمتنا الإسلامية التي تعيش اليوم حالة حرجة من الفتن والصراع المرير، حتى أصبح إزهاق الأرواح من كثرته وتكراره أمراً مألوفاً لا يثير هولاً ولا استفظاعاً ناهيك عن ما تخلفه تلك الفتن والصراعات من هدم العمران وتردي الاقتصاد وتخلفه، وتعرض الأفراد والأسر لما لا يخفى عليكم من العناء والمآسي وما يحل بالشعب السوري الشقيق منذ ثلاث سنين ما هو إلا مثال شاهد على ذلك".
وأضاف: "هذه الحالة العصيبة التي أقلقت العديد من الأوطان الإسلامية وزعزعت أمنها واستقرارها، وأضعفت التواصل بين دول العالم الإسلامي وشعوبه تستوجب ضرورة تكثيف بذل الجهود من المخلصين لنشر ثقافة التصالح والتسامح والاعتدال، ودعم جهود التضامن لرأب الصدع الذي أصاب الصف الإسلامي، والوقوف في وجه كل من يحاول المساس بديننا ووحدتنا امتثالاً لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم (إن الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)، والمؤمل، بعد الله عز وجل، فيكم أيها العلماء والدعاة وأصحاب التأثير الفكري والتوجيه الاجتماعي أن تكونوا على قدر ما أتاكم الله من نعمة العلم والفهم والدراية بعلل الأمة وأدويتها وأن تسهموا بما تستطيعون في لم شملها ورأب صدعها ونشر ثقافة التصالح والحوار والوسطية بين مختلف فئاتها وأن تحذروا شبابها من الانزلاق في مسارب الغلو والعصبية للآراء أو الأحزاب أو الطوائف أو الانتماءات الخاصة".
وأردف: "أيها الإخوة.. إن حرص المملكة العربية السعودية على تحقيق التضامن بين المسلمين أمر مستقر لا تتزحزح عنه ولا تتهاون فيه لأنه التزام ناشئ من الأسس التي قامت عليها، فرعاية وحدة الأمة وتحقيق تضامنها أصل من أصول الكتاب والسنة اللذين هما دستور المملكة والأساس لأنظمتها كافة، ومن المعلوم أن الانتساب لهذه الأمة يقتضي واجبات من العمل على إصلاح أحوالها والحفاظ على دينها، ووحدة كلمتها والذب عنها، ولا يمكن أن يحفظ لها دينها من دون سياج من اللحمة والتعاضد بين شعوبها وحكوماتها ودولها قال جل من قائل: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)"، وروى النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
وتابع: "لقد أعطت المملكة اهتماماً عملياً للتضامن المنشود وعملت له في الماضي والحاضر من خلال الأطر التي تربطها بالدول والشعوب الإسلامية، وما دعوتنا الأخيرة إلى مؤتمر القمة الاستثنائي الرابع الذي كان موضوعه التضامن الإسلامي الذي عقد في رمضان من العام 1433ه، بجوار بيت الله الحرام قبلة الإسلام ومهوى أفئدة المسلمين إلا رعاية لهذا المبدأ والأصل المتين، وقد كان الهدف من عقده بجوار بيت الله الحرام أملاً في أن يكون المكان الطاهر، مذكراً بأهمية الوحدة والتعاون بين أبناء الأمة الذين يولون وجوههم شطره كل يوم ويتبعون الرسالة التي انطلقت منه يتبعون رسالة الحق والعدل والتوحيد والإنسانية رسالة الرحمة والخير للبشرية جمعاء".
وقال: "لا يفوتنا في هذا المقام أن ننوه بأن رؤية المملكة تقوم على الشمولية في المسؤولية نحو تحقيق التضامن فلا تناط هذه المهمة بالحكومات والقادة السياسيين وحدهم، بل لا بد من تعاون المنظمات والهيئات غير الحكومية وكذلك العلماء ورجال الفكر والدعوة والإعلام وكل ذي تأثير في الرأي العام وأن الأمر يحتاج إلى إخلاص النيات وتنسيق الجهود في إعداد البرامج والمشاريع المناسبة وتهيئة الشعوب إعلامياً وثقافياً".
وأضاف: "ترى المملكة أن التضامن الإسلامي تتحدد قيمته بالأهداف المتوخاة منه ومن أهمها جمع الكلمة، وتوحيد الصف، وإخماد بؤر الصراع وأسباب الفتن وتجميع قدرات الأمة على ما يصلح حالها ويبعد عنها الشرور ويرفعها إلى مستوى المشاركة العالمية في خدمة القضايا الإنسانية".
وأردف: "لا ريب أن العوائق كثيرة ولكنها تهون متى ما توافرت الاستعانة بالله، والثقة بوعده بالعون والتوفيق، وقد لا تؤتي المحاولة الأولى ثمارها من النجاح لكن ينبغي ألا يثنينا ذلك عن إعادة الكره وتكرار المحاولة، فقد رأينا في سنن الله التي أجراها في خلقه، وأن الصبر مطيه النجاح وأن طريقه محفوف بالمشقة والمكاره، وأن صدق النية وقوة العزيمة جناحان يبلغ بهما صاحبهما مبتغاه ويحقق مرامه".
وتابع: "الأمل في الخالق سبحانه وتعالى بأن يحقق لنا مرادنا ثم في الرابطة وأمثالها من الهيئات والمنظمات الشعبية أن تقوم بجهود التوعية بأهمية التضامن الإسلامي وضرورته لإصلاح أحوال الأمة والنهوض بها".
واختتم بقوله: "في الختام أشكر رابطة العالم الإسلامي بقيادة رئيس مجلسها الأعلى وأمينها العام، على ما تسهم به من جهود متميزة في توعية الأمة بواجباتها نحو دينها وأوطانها وقضاياها ورد الشبهات والأباطيل الموجهة ضد الإسلام وحضارته ورموزه ومقدساته". سائلاً الله تعالى أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق لما فيه الخير للأمة الإسلامية جمعاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وبعد ذلك؛ قدم الأمين العام للرابطة هدية تذكارية إلى أمير منطقة مكةالمكرمة بهذه المناسبة.