اختتمت أمس في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فعاليات مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني"قضايا طبية معاصرة"، بعد مناقشات استمرت يومين بين الفقهاء والأطباء لدراسة أهم القضايا الطبية المعاصرة وبيان الحكم الشرعي. واعتمدت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية "80" بحثاً من بين أكثر من 100 بحث قدمت أمام المؤتمر من داخل المملكة وخارجها، بعد أن أُخضعت للتحكيم والفرز من قبل المحكمين وفق القواعد العلمية. وأوصى الباحثون بضرورة العناية الفائقة والمتواصلة بما يستجد من نوازل وحصرها والتواصل بشأنها بين المختصين وعلماء الشريعة لدفع الحرج عن الأمة وضبط سيرها بمنهج الشرع الحكيم ودفع الاضطراب والوقوع في الشبهات. كما أوصوا بأهمية المجال الطبي وضرورة العناية به لملامسته المباشرة لحياة الناس وكثرة النوازل في مجاله مما يحتاج لبيان الأحكام الشرعية وحل المشكلات وبإنشاء كرسٍ للقضايا الطبية المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ليكون حلقة وصل بين الفقهاء والخبراء في مجال الطب، وليفعل العمل الشرعي للإجابة عن النوازل المستجدة في هذا المجال. واقترحوا إنشاء لجنة لخدمة النوازل الطبية في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تتولى التنسيق في هذا المجال مع كليات الشريعة وكليات الطب في المملكة، وإقامة دورات تدريبية شرعية للأطباء تبين ما يهمهم من الأمور الشرعية في المجال الطبي، والعمل على إصدار نشرة مستخلصات تبين المستجدات من النوازل في المجال الطبي يزود بها الفقهاء لتحقيق المتابعة المستمرة في هذا المجال، وإنشاء موقع إلكتروني خاص بالقضايا الطبية المعاصرة يتولى العمل به مختصون في الشريعة والطب ويكون مقره جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بجانب الاستمرار في عقد مؤتمر الفقه الإسلامي لمتابعة النوازل المستجدة في الحياة بعامة وفي المجال الطبي بخاصة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ودعا المؤتمرون للعناية باختيار الخبير الثقة، المتمكن في علمه، الواضح في بيانه، القادر على تقريب صورة النازلة وتوضيح مفرداته، وإلى ضرورة اهتمام المسلمين بمجال تصنيع الدواء بخاصة، ووجوب سعى الأمة لإيجاد مصانع مستقلة تقوم على أساس الشرع حتى لا تدخل على المسلمين المواد المحرمة في أدويتهم كالخمر والخنزير. ودعوا لأن يكون للمسلمين دور فاعل في منظمة الصحة العالمية، وحثوا الحكومات الإسلامية على تبني صناعات الجيلاتين الحلال ودعمها حتى يرتفع الحرج عن المسلمين وحفظ حق المريض في معرفة الدواء ومحتوياته، وترك الخيار له، وعرض البدائل عليه حتى يكون على بصيرة من أمره. واستعرضوا تسجيل الأدوية المحتوية على الكحول بصفته مقوماً فعالاً بغية الحد من استعماله قدر الإمكان، داعين للعمل على إنقاص تركيز الكحول في الأدوية قدر الإمكان؛ وذلك في الحالات التي لا يوجد فيها بديل مناسب يمكن إحلاله محله. وفي قضايا الأجنة والجينات، حذروا من التعامل مع البنوك التي تقوم بخلط السوائل المنوية دون تحديد أصحابها، أو تبيع المني، أو تقوم بتلقيح الزوجة بعد وفاة زوجها من مائه، أو بالبيضة الملقحة، مؤكدين ضرورة تقنين عقوبات رادعة لمن لا يتقيد بالأحكام الشرعية الضابطة للتلقيح وتحديد جنس الجنين، سواء أكان ذلك من الزوجين أو من الأطباء أو من غيرهم من العاملين في مراكز طبية. كما أكدوا على أهمية الفحص الطبي قبل الزواج لاجتناب ظهور بعض الأمراض الوراثية. مطالبين بالاهتمام بالفحص أثناء الحمل لمن أظهر الفحص قبل الزواج احتمال إصابة أجنتهم بأمراض وراثية تجنباً لولادة أطفال معاقين أو مشوهين، وضرورة الاهتمام بمسألة تحديد جنس الجنين وإعطائها مزيداً من المتابعة والبحث الطبي والفقهي لتجلية كثير من جوانبها وتداعياتها، وذلك لما لها من أبعاد ثقافية واجتماعية. أما في ما يتعلق بالعمليات التجميلية فقد حثوا القائمين على المستشفيات والعيادات الخاصة والأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى، والتحقق من الحكم الشرعي للعمليات قبل إجرائها وحذروا من اللجوء للدعايات التسويقية المخالفة للحقائق من أجل الكسب المادي, وضع نظام رقابي صارم لإجراء العمليات التجميلية التي تسبب آثاراً ضارة . ودعوا للاهتمام بأخلاقيات المهنة والابتعاد عن كل فعل يضع الطبيب تحت طائلة أحكام الشرع أو قواعد القوانين والأنظمة، كإجهاض الحامل، أو إجراء التجارب الطبية على البشر، أو إفشاء سر المريض إلا لأسباب شرعية أو نظامية. وأفرد المؤتمر جانباً للخطأ الطبي: مقترحاً تكوين لجان طب شرعية تتألف من أطباء وفقهاء تكون مهمتهم إبداء الرأي الشرعي والعلمي والمهني والقانوني في كل مسألة طبية طارئة, وتحديد نوع الخطأ الطبي, ومدى مسؤولية الطبيب وإنشاء سجل وطني لحصر المخالفات الطبية المبلغ عنها وتصنيفها بعد دراستها وتحليلها إحصائياً، ليتم على ضوء ذلك إعداد نشرات خاصة بالأخطاء الطبية الأكثر شيوعاً مصنفة حسب التخصص وطرق تفاديها بما يضمن تثقيف الطبيب وأفراد المجتمع. واقترحوا إنشاء مركز دراسات مشترك ما بين القضاء والطب لمعالجة ما يستجد في باب الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية، وعدم الاكتفاء بنصوص محددة تستوعب حالات دون أخرى، وسن إجراءات واضحة تبين الخطوات الواجب اتباعها عند الاشتباه بحدوث خطأ طبي، سواء من قبل المستشفى أو الجهة الطبية التي تدعم الطبيب، وكذلك تبيين ما ينبغي على المريض المتضرر أو ذويه اتباعه صيانة لحقوقه, ونشر الوعي بين الناس، وتبصيرهم بحقوقهم في التعويض إذا أخلّ الأطباء بالتزاماتهم، وهذا من شأنه زيادة الحرص عند الأطباء وتقليل الأخطاء الطبية.