لفتت المعلمة عائشة منصور الرثيع الأنظار، للفصل الدراسي الذي تشرف عليه في الابتدائية السابعة عشرة للبنات ب"الرس"؛ إذ يختلف فصل أول ابتدائي "أ"، اختلافاً جذرياً عن كل الفصول بالمدرسة، ليس فقط من حيث التجهيزات الذاتية فقط، وإنما في التدريس بطريقة "التعلم النشط" أيضاً. ويخيّل لمن يشاهد تجهيزات الفصل، أنه في حديقة، أو ملاهي أطفال، من واقع التجهيزات الكبيرة، والطاولات المميزة، والأركان التي تحتوي على وسائل تعليمية مختلفة، ومواقع لمولات مصغرة تكرّم فيها الطالبات المتفوقات. وتطبق المعلمة برامج تعليمية مختلفة أدخلت فيها مسابقات مشابهة ل"سباق المشاهدين"، وأخرى تحفيزية مثل برنامج "المحقق كونان" للطالبات المخفقات. وفي نهاية كل عام دراسي تؤمن المعلمة جوائز لطالباتها المتفوقات وتقيم حفلاً مصغراً داخل الفصل بحضور الأمهات. الفصل الدراسي المميز وطرق التدريس المنوعة لفتت أنظار مسؤولي التعليم ولاقت استحسان وإشادات أولياء أمور الطالبات. الجهود التي تقوم بها المعلمة الرثيع، جهود شخصية ومن حسابها الخاص. "سبق" التقت المعلمة التي تزيد خدمتها في سلك التعليم على 24 عاماً، في الحوار التالي:
* برزت جهودك في إستراتيجيات التعلم النشط فهل لك أن تعرفينا بمفهومه؟ - التعلم النشط له عدة تعريفات منها: عرّفه (الحربي، 2010) بأنه "مجموعة من الإستراتيجيات التي يتعلم بها الطالب داخل غرفة الصف؛ بحيث تجعله منقاداً للمشاركة والتفكير فيما يؤديه، وذلك بإشراف ومتابعة وتوجيه المعلم". ويرى البعض أن التعلم النشط هو: مستوى درجة مشاركة الطلاب في العملية التعليمية التي تتضمن إستراتيجيات التعلم النشط كالاستقصاء، والتعلم التعاوني، والتعلم الذاتي، وحل المشكلات (سعادة وآخرون، 2002). والتعلم النشط (Active Learning) كمصطلح هو اتجاه حديث نسبياً في مجال التربية والتعليم، حيث ظهر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وبدأ ينتشر مع مطلع تسعينيات القرن الماضي. وهو منحى في التعليم والتعلم بحيث تتغير فيه أدوار المتعلمين بما يجعلهم مشاركين بفاعلية في عملية التعلم، متحملين المسؤولية في ذلك، وتأخذ فيه (منحى التعلم النشط) أدوار المتعلمين تجاه أكثر قيادية من التعليم التقليدي بحيث يكون دور المعلم موجهاً ومرشداً وميسراً للتعلم لا مسيطراً عليه، وذلك من خلال تطبيق طرائق وإستراتيجيات التدريس التي تحقق هذا الدور.
* ما الذي أضافه التعلم النشط للطالبات لديك؟ - تحسن مستواهن التعليمي واستطعن القراءة والكتابة وقراءة القصص واللافتات وهن في السنة الأولى. وبدأت الطالبات يعتمدن على أنفسهن لدرجة أنهن يلقين دروساً من السنة الثانية (الفصل الدراسي الثاني) بتخصيص جزء من الدرس ويطلب منهن الاستعداد لشرحه في الغد. فتكون الصغيرات في حماس وتنافس وتحضر الوسائل الخاصة بهذا المقطع. وكسبت الصغيرة الطلاقة في الحوار وهذا عن طريق تمثيل الأدوار وتبادل الحديث. وبرعن في الإلقاء فإحداهن فازت بمسابقة الإلقاء على مستوى المدارس بمركز الإشراف. كما برعن في كتابة القصة... وبدأن بتأليف القصص المصحوبة برسومات من مخيلاتهن.
* هل للوسائل التعليمية أهمية في التعلم وهل لك ابتكارات في الوسائل؟ - بلا شك أن للوسائل أهميتها فهي تستخدم كمحور أساس في المواقف التعليمية والوسيلة التعليمية ضرورية لتسهيل العملية التعليمية وسرعة وصول المعلومة إلى ذهن الطالبات مختصرة الوقت والجهد. ولدي في ذلك ابتكارات مرفقة صورتها.
* من خلال الصور المرفقة المتضمنة أعمالك، نجد أن ذلك يحتاج لميزانية خاصة فمن جلب تلك الوسائل وكيف تم ذلك؟ الجهود شخصية وكل ما يوجد هنا من وسائل وتحفيز هو من حسابي الخاص، لكن حبي للطالبات وللتعليم وطلبي الأجر من الله يجعلني أتجاوز كل ذلك وأستمر في عطائي.
* ما هي أهم الصعوبات التي واجهتك في تطبيق مشروعك التعلم النشط؟ - أهم الصعوبات... كثرة عدد الطالبات فتطبيق مثل ذلك في فصل ما فإنه يجب ألا يتجاوز عدد الطالبات فيه عن 15 طالبة فقط حتى تستطيع المعلمة التنوع والابتكار بالوسائل.
* ما موقف أولياء الأمور من فصلك الخاص وإبداعك؟ هل لقيت شكراً وثناء، هل هناك إحراج بسبب كثرة الطلبات لتسجيل بناتهن في فصلك؟ - موقفهم إيجابي ووجدت الشكر والثناء من قبلهم. نعم هناك إحراج
* هل سبق لك حضور دورات عن التعلم النشط؟ - الآن إدارة التعليم تقيم مشكورة دورات في مركز التدريب عن التعلم النشط أما أنا فقد تعلمت تلك الإستراتيجيات قبل عدة سنوات من خلال البحث والاطلاع وحبي لمهنتي هو ما دعاني لهذا.
* لك تجارب في الحياة وما النجاح إلا بالتجارب فهلا ذكرت لنا تجربة لك في مسيرتك التعليمية واستفدت منها؟ - المسيرة التعليمية هي بحد ذاتها تجربة استفدت منها بتعلم الصبر وكيفية الصبر على تلك الطفلة في بداية مشواري حتى تتعلم وتكتب وتحفظ ومعاملتها كأم حتى لا تشعر بالخوف وأيضاً البحث المستمر عن كيفية التعامل مع هذا العمر والبحث عن الوسائل وطرق التدريس، فلابد من احتواء الصغيرة وإعطائها الفرصة لتحقق ذاتها، فأنا أم وأشعر بالصغيرة وأعاملها كابنتي.
* أجبت سابقاً أن لك في هذه التجربة عدة سنوات فلماذا لم تظهري إعلامياً إلا قبل أشهر، وبالأخص عبر مدونة التعلم النشط لتعليم الرس؟ - الإعلام سبق له أن عرض لي درساً نموذجياً تقريباً من سبع سنوات للإعلامية أ.رقية المسعود وأيضاً اخترت من قبل اللجنة الإعلامية لعام المعلم (قم للمعلم وفه التبجيلا)، وأصدرت كتيب (عندما يكون التعلم متعة) يوضح الوسائل التعليمة المستخدمة في المدرسة الابتدائية السابعة عشرة للمعلمات (عائشة الرثيع - زينب البطاح - مريم المنصور - منيرة القبيسي) فكرة هذا الكتيب مشرفة الصفوف المبكرة سابقاً أ/بدراء العتيبي. وأشكر الأستاذة الرائعة مزنة حسين العواجي مشرفة التدريب ومدربة مشروع التعلم النشط بالرس على تشجيعها لي لعرض تجربتي للفائدة، فقامت هي ومنسوبات مركز التدريب باستضافتي في اليوم الثالث من دورة التعلم النشط لتوضيح تجربتي للمتدربات حتى تعم الفائدة، فجزاهن الله خير الجزاء وجعل ما يقدمونه في موازين أعمالهن.
* ما رأيك في المناهج المطورة وخاصة مادتك التي تدرسينها ( لغتي )؟ - التطوير حاجة ملحة تفرضها التغيرات المتسارعة والتطورات في كل ما يجري حولنا ونحن في عصر المعرفة ولا بد لنا من مواكبة العصر وخاصة في ظل التقدم التقني والإلكتروني إذ من المناسب استخدام التقنية في التعليم.
* كيف ترين اهتمام الأسر في تعليم أبنائهم، وهل أثرت الوسائل الاجتماعية وكثرة الملهيات في تدني متابعة الأهل والحرص على أبنائهم؟ - إن مرحلة الصفوف الأولية وخصوصاً صف أول ابتدائي من أهم المراحل الدراسية لأنها الأساس الذي تنبني عليه فكلما كان الأساس قوياً كان تحملها أكبر. التلميذة في صف أول تبدأ تصورها للعلاقة بينها وبين المدرسة المعلمة الزميلات الكتاب السلوك... إلخ فمن المهم زرع الحب الثقة الجدية الأخلاق التفوق...وووو...في نفس التلميذة. والأهل صنفان: الصنف الأول يكون متعاوناً مع المدرسة بمتابعة المذكرة الأسبوعية مع إضافة بصمتهم الكريمة ومتابعة الطالبة بالحفظ وأداء الواجبات...... إلخ أما الصنف الثاني فيكون العكس. فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الأهل حفظهم الله عدم إدراك أهمية المرحلة وما تبنيه في نفس التلميذة من تصورات قد يصعب تصحيحها في المستقبل فتجدها تهتم بإخوتها الكبار أشد الاهتمام ويغفلون عن الصغيرة، فتتركها تحضر للمدرسة تذاكر دروسها تحل واجباتها... إن شاءت، وتركها متى ما تشاء، اعتقاداً منهم أن المعلمة هي كل شيء في التحفيظ والقراءة وكتابة الواجب...إلخ، فهذا يثقل على المعلمة، مما يؤدي إلى التأخر في المناهج.
* كلمة أخيرة؟ - أشكر مديرة المدرسة أ.هدى المسعود على رحابة صدرها وبذلها وعطائها اللامحدود، فيعجز اللسان عن التعبير عما يكنه القلب، وعن تسطير كلمات الشكر والتقدير لمثل هذه الإنسانة العظيمة، أسأل الله عز وجل أن يوفقها ويرزقها من حيث لا تحتسب ويجعل ما تقوم به في موازين أعمالها.
وأخيراً أرجو ألا يتبادر إلى ذهن من يطلع أن الأستاذة عائشة قد ركزت على الشكل وأغفلت مضمون العملية التربوية والعلمية، ففي دفتر واجبات كل طالبة خطة أسبوعية مفصلة للمواد التي تدرسها شاملة المادة والموضوع، وفيها تدون مستوى الطالبة يومياً في العناصر المحددة مسبقاً، كما توثق تقييمها بالدرجات لاختبار الإملاء، وملحوظاتها، وعبارات تحفيز، وشهادات شكر لأولياء الأمور وللطالبة، وفارسات الأسبوع من الطالبات المتميزات كل أسبوع، وهدايا نقدية وعينية وبطاقات ذهبية وفضية.
نماذج من بعض الوسائل التعليمية والبرنامج التي تطبقها المعلمة عائشة الرثيع في الفصل:
1- برنامج " اتصلي من هاتفي لتعرفي مهارتي": عبارة عن اتصال بين المعلمة والتلميذة، وعند سماع صوت الهاتف تقوم إحدى الصغيرات بالرد. تقول المعلمة: معك برنامج اتصلي من هاتفي لتعرفي مهارتي، صغيرتي أمامك الشاشة "يكون الدرس معروضاً أمامها على شاشة العرض" أريد منك استخراج الظواهر القرائية في هذه الكلمة، أو أذكر لها إجابة وأطلب منها كتابة سؤال على هذه الإجابة. وإذا أتقنت التلميذة جميع الإجابات يقال لها مبروك لقد ربحتِ معنا جائزة وهي عبارة عن كوبون بمشتريات من الأسرة مول للتسوق الموجود داخل الفصل. هذه الوسيلة تستخدم في التطبيق، أو في المقدمة كاسترجاع للدرس السابق، وهو مشابه لبرنامج "سباق المشاهدين".
2- "الحلقة": يخصص جزء من حديقة الفصل لتدريس القرآن الكريم، حيث تتعلم فيه الصغيرة الآداب التي ينبغي التزامها أثناء تسميع، أو تلاوة الآيات، تقوم بلبس الحجاب لتستشعر بالروحانية وتلتزم الأدب مع كتاب الله. أيضاً يتم تسجيل صوت الصغيرة على شريط كاست ومن حين لآخر يرسل للأهل لسماع صوت صغيرتهم.
3- "المحقق كونان": هذه الوسيلة تستخدم مع الطالبة التي تكرر الخطأ أثناء الدرس، حيث تقوم المعلمة بوضع كلبشات خفيفة من البلاستيك المغطى بالفرو بيديها (مع الاتفاق مسبقاً على هذه الوسيلة حتى لا تفزع الطالبة) ثم إرسالها للمحقق كونان، وفي طريقها إليه يتم تشغيل صوت النجدة، وعند وصولها للمحقق، يطفئ هذا الصوت. ويبدأ كونان بتسجيل اسمها باللوحة والتحقيق معها، وذلك بشرح الخطأ الذي وقعت فيه، وعند فهم الصغيرة للخطأ ترجع إلى السبورة مرة أخرى وتعدل الخطأ. ويؤتى لها بسؤال مشابه إن أتقنت تذهب إلى مكانها بعد تشجيعها، وإن لم تتقن ترجع مرة أخرى للمحقق كونان، ويقوم المحقق كونان بالاتصال عبر اللاسلكي على مستشفى ما بعد الإملاء.
4- "مستشفى ما بعد الإملاء ": يقوم المحقق بالاتصال عبر اللاسلكي على مستشفى ما بعد الإملاء، ويبين لهم الحالة التي سيرسلها لهم بتوضيح نوع المهارة التي لم تتقنها، تستقبل المستشفى الحالة وهي مكونة من طبيبتين، تبدأ الطبيبة الأولى بشرح المهارة بالتفصيل للمريضة أي المخفقة والتطبيق عليها عند عدم فهم التلميذة من الطبيبة الأولى، تستلم الطبيبة الثانية المهمة وتقوم بالشرح المفصل ومع تكرار المهارة للمريضة مهارياً ستفهم إن شاء الله.
5- "الأسرة مول للتسوق": هذا السوق (في الفصل) مخصص لتحفيز وتشجيع التلميذات المتجاوبات، حيث تذهب وتأخذ من الفئة المحددة مثل فئة ريالين أو فئة الريال، أما التلميذة التي تتميز عن غيرها بالحفظ والقراءة والإملاء والأدب فتأخذ العربة أو الكيس، وتتسوق ما تشاء من المول.
6- "نهاية العام": في نهاية العام تُكرم والدة الطالبة المتفوقة لتعاونها مع المعلمة خلال العام، عن طريق استدعائها لحفل مبسط يليق بمقامها داخل الفصل وتوزيع الشهادات والهدايا. وعند وقت الحصاد في نهاية العام تكرم الطالبات بشهادات التقدير والهدايا المتنوعة.