- يرون أن قيم الدين المحافظة تحرمهم من العديد من الرغبات والنزوات التي يريدون ممارستها. - خلايا ملحدة نشطة من خارج وداخل السعودية تتحرك ببطء جاهدة لترويج فكرها. - أحد الناشطين في الإلحاد: الحيرة والشك بسبب إغلاق منافذ الفكر وتطبيق الدين بطريقة متشددة. - ملحد سعودي: قمع الحريات دفعنا للجلسات المغلقة على النت.. والأديان مجرد تراث وفلكلور. - الباحث عبدالعزيز الخضر: الخطاب الديني لم يواكب التجديد الذي نعيشه وتأخره تسبب في انتشار الإلحاد. - الكاتب نجيب الزامل: من أسباب الإلحاد الإشباع الزائد في الأمور الروحية والدينية أكثر من اللازم. - استشارية الطب النفسي: الملحدون فاشلون في التكيف مع المجتمع وضعيفو الشخصية ومقلدون للمجتمع الغربي بكل آفاته.
- مفتي عام المملكة: نرفض ذلك والأمر مجرد دعوى صعبة تحتاج إلى دليل.
شقران الرشيدي- سبق- الرياض: أثار تقرير صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية عن الإلحاد، والذي نشر في الفترة الماضية، وبه خارطة "مزعومة" للإلحاد في العالم تبين ارتفاع نسبة الملحدين في السعودية، أثار الكثير من التساؤلات المستنكرة وجود من يعتنق هذا الفكر في جزيرة العرب مهد الإسلام، وغير مصدقين ما يُزعم عن وجود ملحدين سعوديين، ومعتبرين ذلك محاولة لتسويق بضاعة فكرية منحسرة في مجتمع مسلم.
حول تداعيات هذا التقرير "الغريب" في معلوماته، وتفاصيله، وتوقيته.. فتحت "سبق" ملف الإلحاد والملحدين في السعودية، وكشفت خفاياه، وحاورت معتنقيه، ورصدت أفكارهم، وآراءهم، وخلفياتهم الاجتماعية، والنفسية التي دفعتهم لمثل هذا التوجه المرفوض من المجتمع.. لتكشف أن من يدعون الإلحاد في السعودية هم قلة من شباب "خاوي" الفكر ينتشرون على الإنترنت، ويرون أن قيم المجتمع الدينية وعاداته المحافظة تحرمهم من العديد من الرغبات والنزوات التي يريدون ممارستها.
ويظل التساؤل المهم الذي تطرحه "سبق": هل الإلحاد في السعودية أصبح ظاهرة أم حالات فردية استثنائية ومجرد إشاعات وأقاويل؟ والجواب الصريح كما تبين من خلال البحث الصحفي، والمتابعة لمواقع "الملحدة" وجود حالات نادرة لشباب سعودي يرفض ما يسميه "التشدد" الديني، ويتخذ الاتجاه المضاد، وحالات أخرى ملحدة نتيجة دخولها في دهاليز الفلسفة و"التنطع" الفكري غير المرغوب فيه.
كما تبين أن هناك خلايا ملحدة نشطة من خارج وداخل السعودية تتحرك ببطء – خوفا من اكتشاف أمرها على ما يبدو - تسعى جاهدة لترويج فكر الإلحاد بين الشباب السعودي، وتركيزها بشكل أساس على مرافق التعليم العالي، ومواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك"، ومقاهي الإنترنت، والفنادق الكبيرة، ومنهجها تكبير الأخطاء التي تحدث في المجتمع، وتقليل قيمة الدين ومن يتبعه.
ولكن إن كان الإلحاد في مفهومه هو الإنكار أو التشكيك في وجود الخالق - سبحانه وتعالى - وارتباطه عبر التاريخ بالتمرد، ونقد الموروثات الاجتماعية، والدينية للمجتمعات؛ فإن ما نراه على بعض مواقع التواصل الاجتماعي حالياً، وفي قلة من المدونات الشخصية السعودية من عبارات ناقدة، وشعارات ودعوات متمردة، ومداخلات متجاوزة، وفلسفات متشابكة يدخل في دائرة الإلحاد، والتشكيك في وجود الله - سبحانه وتعالى - ويتخطَّى كل المحاذير الدينية، والخطوط الحمراء، ويتنافى مع قيم المجتمع, بل أصبح بمثابة بيئة "كريهة"، ومستنقع آسن بالأفكار المبتذلة لكثير ممن يدعون اعتناق مثل هذه المعتقدات الفكرية التي تستهزئ بالأديان السماوية، ومن يتبعها بأفكار مشوشة وغير واضحة.
فماذا يقول الملحدون أنفسهم؟ ما هي أفكارهم؟ وكيف يبررون توجهاتهم؟ نتعرف على ذلك بلقاء عدد منهم ممن أنشؤوا حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، و"فيسبوك" للدعوة لفكرهم.
يقول أحدهم: "الإلحاد في السعودية موجود، وأعرف أشخاصاً ملحدين، ولهم متابعون، والحيرة والشك جاءت بسبب إغلاق منافذ الفكر وتطبيق الدين بطريقة قاسية ومتشددة لا تراعي عقلياتنا نحن الشباب، ولا تتماشى مع أسلوب حياتنا الجديدة التي تفضل حوار العقل والمنطق".. وعن تقبل أسرته لوضعه، قال: "لا يعلمون بذلك".
ويقول ملحد آخر: "بالنسبة للملحد السعودي لا ننسى أنه ابن بيئته، ويهيأ إليَّ أن ارتباط الإلحاد بأحدهم لا يعني بالضرورة انعدام القيم الأخلاقية تجاه النظر للجنس، وكأنه حالة مشروعة مع أي من كان وكيفما كان".
أما من يسمي نفسه الملحد السعودي فيقول: "تعرفت على الكثير من رموز المنطق والعلم والأخلاق مثل برتراند راسل وداروين وكارل سيجن، وقرأت لهم وعنهم الكثير، أصبح رفضي وإلحادي لادعاءات الدين متين ومبنى على العلوم والمنطق، وليس الغريزة أو الشك الطبيعي كما في السابق".
ويوضح آخر: "لجأت لمواقع إلكترونية عربية، وللجلسات المغلقة في المقاهي التي تدعو إلى الإلحاد، وأعتقد أن الأديان مجرد تراث وفلكلور تعجز عن إشباع أسئلة الشباب، بل تقمعهم عند مناقشة الأفكار، وتقمع الحريات، وتعسر على الناس وتريد جعل المجتمع قالباً واحداً، وبفكر متشدد أدى إلى رفض الدين، وتنفير بعض الشباب منه".
ويتداخل أحد الشباب الرافض للإلحاد معترضاً على ما ذكر سابقاً، مؤكداً أن الإلحاد في السعودية فكر مبتذل ومكروه، وليس ظاهرة، بل حالات فردية قليلة جداً نتيجة للخواء الفكري والسطحية، واستغلال بعض الملحدين الأجانب للشباب السعودي والشابات البعيدين عن الدين ليكونوا صيداً سهلاً لهم.
ويؤكد آخر على أن من يمنع الرأي يمنع تجديد الدين، والإسلام سمح ولين يراعي كل التوجهات الفكرية، وهناك فرق كبير بين من يطبق الدين لفهمه المتشدد، وبين مبادئ الدين الواضحة والجلية التي تتقبل كل التساؤلات وتجيب عليها".
ويقول شاب آخر: "لقد صدمت من تقرير صحيفة "الواشنطن بوست"، ولابد أن يغير الدعاة في المجتمع السعودي طريقتهم وأسلوبهم عند التخاطب مع الشباب لأن التشدد الزائد يؤدي إلى تشدد زائد مضاد في الاتجاه المعاكس".
أما الباحث السعودي عبدالعزيز الخضر فقد ذكر في تفسيره لظاهرة الإلحاد أن الخطاب الديني في المملكة لم يواكب التجديد الذي نعيشه، وتأخره كان سبباً في عزوف الشباب عن سماعه، مما تسبب في انتشار ظاهرة الإلحاد.
وأضاف الباحث مؤكداً على أن هناك مشكلات فكرية من المراحل السابقة لم يتم حسمها من خلال الحوارات الشفافة، مما ساهم في تعطيل التحديث الفكري في المجتمع.
وفي السياق نفسه يذكر الكاتب البارز نجيب الزامل أن من أسباب الإلحاد الإشباع الزائد في الأمور الروحية والدينية أكثر من اللازم، وأن البلد مليء بالوعظ والدين، والشباب معرض للوعظ في كل مكان وكأنه ناقص في الوعي الديني.
أما الدكتورة سناء المجذوب، استشارية الطب النفسي، فتقول ل"سبق" عن الإلحاد ومعتنقيه: "علم النفس يحلل دائماً الخلفيات النفسية، والاجتماعية، والتربوية التي ساهمت في تكوين عقول هؤلاء، وبالتالي تكونت لديَّ بعد عدة نقاشات معهم قناعات بأنهم من أسر مفككة، ومن الفاشلين في التكيف مع الحياة، والمجتمع، وناقمين على الظروف التي وجدوا أنفسهم فيها".
وتؤكد أنهم لجؤوا للإلحاد وغيره من التوجهات الفكرية هروباً من الواقع الذي يعيشونه لضعف شخصياتهم، وأحياناً التقليد الأعمى للمجتمع الغربي بكل آفاته وأمراضه النفسية التي ترسخت في العقلية الملحدة.
وقالت: "حتى نتوصل إلى حلول عملية مبنية على نتائج علمية حول هذه الآفة يجب دراستها بتأنٍ، ومواكبة المتغيرات المعاصرة، وتعميق النقاش مع الشباب في مختلف القضايا العقدية والفكرية".
وكان فضيلة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قد رفض الأقوال المتداولة بشأن انتشار الإلحاد، مبيناً أن هذا الأمر مجرد دعوى صعبة تحتاج إلى دليل، مشيراً إلى أن السعودية "بلد الإسلام، الخير فيه كثير، وشعائر الإسلام فيه ظاهرة، إذ تقام فيه الصلوات ويؤذن لها، والناس آمنة على دينها، وهناك جامعات ومدارس إسلامية وحلقات لتحفيظ القرآن".
ومن جانبهم أكد بعض العلماء والمشايخ أن على وسائل الإعلام المختلفة ضرورة عدم الترويج للكفر والمجون، والوقوف بحزم في وجه مساعي تشويه الدين وتلويث العقيدة، والعبث في عقول أبناء الأمة.