شكَّلت الأمطار الغزيرة التي هطلت في اليومين الماضيين على منطقة الباحة صورة من سحر الطبيعة، وخصوصاً مع تساقط البَرَد الذي شكّل ساحةً بيضاء من الجليد، أشبه ما تكون بعروس ارتدت فستان زفافها، وصورة أخرى لاقتحام السيول لمنازل بمركز جرب في محافظة العقيق، وجرف مركبات وشاحنات وتكسير للطرق، وعزل قرى عن العالم الخارجي، وانقطاعها عن المراكز الصحية والمدارس هذا اليوم السبت، واستضافة الكثير من أهالي جرب في منازلهم الكثير من المسافرين بعوائلهم الذين تقطعت بهم السُبل، ورفض بعضهم الآخر تلبية الدعوة، وبات في مركبته التي لم يجرفها السيل. واتضح جلياً مع هذه الصور الأخيرة هشاشة مشاريعنا البلدية، وفساد هندسي وجيولوجي كبير في وضع العبّارات والكباري، وتركيب المصدّات التي تُحوّل مجاري السيول عن الشوارع العامة والمنازل الآهلة بالسكان.
وقد زوّد "سبق" الإعلامي بندر الزهراني بصور عدة، بعدسة أخيه المصور فهد لكمان، لجمال طبيعة قرى "قريدة وتربة" بدوس زهران، ويظهر فيها جلياً قوس المطر وبياض الجليد وجمال الطبيعة.
وفي المقابل قال ل"سبق" المواطن سعد منيف آل طالب: "شاهدنا السيول وهي تُخلف الدمار، كما شهدنا فساد مشاريعنا البلدية التي وضعت عبّارات في أودية تحتاج إلى (كباري) عملاقة تحتوي السيول، ورأينا أوديةً أخرى سُفلتت دون وجود عبّارات أو كباري للسيول، بل إن سيارات المسافرين تعبر من وسط الأودية، التي كانت سبباً في جرف العديد من السيارات بل الشاحنات، واقتحام السيول عدداً من المنازل، وقطع الكثير من الطرق عن العالم الخارجي".
وأضاف: "كان لأهالي مركز جرب ومنازلهم شرف استضافة العديد من عابري السبيل بعوائلهم، الذين تقطعت بهم السُبل، ورأوا الهلاك، لولا لطف الله بهم، ليلتي الخميس والجمعة، وبعضهم رفض تلبية الدعوة، وفضَّل المبيت بعائلته في سيارته".
وتابع آل طالب: "هناك العديد من مجاري السيول التي تقطع طريق المسافرين، ولكن جريانها لا يتعدى الساعة أو الساعتين، ولكن أهم واديين هما واديا رنية بمركز جعبة والقاع في مركز جرب، اللذان يستمر جريانهما أكثر من يومين أحياناً، ومن المفارقات التي تدعو للابتهال على من ظلم أنه لا يوجد بهما أي تصريف أو كباري أو عبّارات نهائياً، ولكن كما قال مؤمن آل ياسين (يا ليت قومي يعلمون)".
"سبق" انتقلت إلى وادي رنية بمركز جعبة، والتقت عدداً من الأهالي الذين قالوا: "وادي رنية من أكبر أودية المنطقة الجنوبية، يربط الجنوب بالطائف، ويعبره المسافرون كثيراً، إضافة للعديد من القرى على ضفاف الوادي، التي ينقطع بينها التواصل مع مرور جريان السيول، وتنقطع طرق التواصل بالمستوصفات أو المدارس للجميع، ولا يوجد به أية تصريف أو جسور، وقد سئمنا المطالبات والمراجعات، ولكن لا مجيب".
كما تواصلت "سبق" مع عدد من المواطنين في وادي نيرا بمحافظة المخواة في تهامة الباحة، الذين أكدوا أن السيول جرفت الكثير من السيارات - وُثق بعضها بالصور - وحرمت الطلاب ومعلميهم عن مدارسهم.
وأضاف المواطن علي الغامدي: "طريق نيرا الوحيد طوله فقط سبعة كيلومترات، وقد اعتُمد منذ عام 1432ه، واعتُمد له مبلغ 40 مليوناً، لكن لم تبدأ سفلتته حتى الآن!".
وتابع الغامدي: "زرت وزارة الطرق والمواصلات الثلاثاء الماضي، وأكّد لي أحد مسؤوليها -تحتفظ "سبق" باسمه- أن السبب في تأخير الطريق هو وجود مواقع عدة تحتاج إلى عبّارات، وقد يعتمدها وقد يرفضها!".
وبدوره قال ل"سبق" المواطن معيض علي البحيري، من العرضية الشمالية: "اقتحمت السيول المنازل، وقطعت الطرق، وتجاوُب المسؤولين ليس في مستوى الحدث".
وقالت مديرية الدفاع المدني بالباحة في بيانٍ نشرته اليوم: "تواصلاً لتقارير الأمطار والسيول التي يعدها المركز الإعلامي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة الباحة، وبمتابعة مستمرة من قِبل صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود أمير منطقة الباحة، تواصل مديرية الدفاع المدني بمنطقة الباحة استنفار جميع قواتها البشرية والآلية في سبيل مواجهة أخطار السيول والأمطار؛ حيث هطلت أمطار من متوسطة إلى غزيرة، وتساقطت زخات من البرَد على المنطقة في الفترة من 14/ 5 إلى 17/ 5، وسال عدد من الأودية على مستوى منطقة الباحة ومحافظاتها، وارتفع منسوب المياه في السدود، وسالت عدد من الأودية، أهمها وادي تربة ووادي دهمة والسوسية وذلالة وأم المحال والحبشة والهضيم وبرمة ورهدا ونيرا وآل بجاد ولومة ووادي المزرعة ووادي ثراد ووادي جرب ووادي بني سعيد ووادي سبة ووادي يحر ووادي غليلة".
وأضاف نائب الناطق الإعلامي للدفاع المدني بالباحة، الرائد عبدالله بن محمد الظبية: "كان إجمالي البلاغات التي استقبلها مركز القيادة والسيطرة في عموم المحافظات خلال الأيام الماضية 104 بلاغات، باشرتها فرق الإنقاذ ودوريات السلامة، وأنجزت مهامها على الوجه المطلوب، وقد تم إخراج 82 مركبة عالقة في المياه، وإنقاذ 22 شخصاً، إضافة إلى مباشرة سبعة حوادث مرورية، نتج منها سبع إصابات".
وأضاف: "كما وردت بلاغات تشير إلى نفوق أكثر من 90 رأساً من الماشية في حوادث متفرقة في عدد من المحافظات، إضافة إلى تضرر بعض المنازل، وعدد من الطرق من جراء تساقط الصخور، وتم الوقوف عليها وافتتاحها بعد التنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وقد تم أمس الجمعة إغلاق طريق عقبة ذي منعا ببرحرح لمدة ثلاث ساعات، وتم افتتاحه لاحقاً بعد التأكد من سلامة عابريه، وقد تم تحريك 37 دورية سلامة لمراقبة ومسح الأودية في عموم المنطقة؛ لتنبيه الإخوة المواطنين والمقيمين بخطورة الاقتراب من تلك المواقع".
وتابع: "وإذ تحذر مديرية الدفاع المدني بمنطقة الباحة جميع الإخوة المواطنين والمقيمين من مخاطرة الخروج للتنزه أثناء هطول الأمطار، والسير في الأودية والسباحة في المستنقعات ومجاري السيول والسدود، وخصوصاً أن كثيراً من حوادث الغرق والاحتجاز تقع هذه الأيام نتيجة عدم الالتزام بتعليمات وإرشادات الدفاع المدني، التي تقي - بعد الله - وتحقق الأمن والسلامة، فإنها تدعو الجميع إلى زيارة موقع المديرية العامة للدفاع المدني على الرابط www.998.gov.sa؛ للاستفادة من آخر التطورات والإرشادات والتعليمات".