نظّم النادي الأدبي بمقره في منطقة الباحة يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين ورشة عمل في فن كتابة القصة القصيرة، بمشاركة القاصّ جمعان الكرت نائب رئيس النادي، والدكتور محمد عبد الرحمن يونس، الباحث والقاص والروائي، والأستاذ الجامعي، وذلك في قاعة الأمير محمد بن سعود للمحاضرات، كما نقلت لقاعة الخنساء النسائية عبر الدائرة التلفزيونية. وطرح نائب رئيس النادي جمعان الكرت ورقة له في بداية الورشة، أوضح فيها أن القصة القصيرة تجربة إنسانية يُعبّر عنها القاصّ بأسلوب النثر سرداً أو حواراً من خلال تصوير شخصية أو شخصيات يتحركون في إطار اجتماعي ينسجها بخيوط الإبداع.
وأشار الكرت إلى البناء المعماري للقصة القصيرة بدءً من العنوان الذي يُعدّ العتبة الأولى للنص, والنواة المتحركة القابل للتحليل دلالياً بحسب صياغته، سواءً كمفردة أو جملة اسمية أو فعلية, وكذلك الحبكة، وهي مجموعة الحوادث التي تُكسب القصة فنيتها وجمالياتها, وتمنحها التماسك والبناء المنسق والمشوق، مبيناً أنها على نوعين؛ حبكة متماسكة، وأخرى مفكّكة, فضلاً عن عنصري المكان والزمان, إلى جانب اللغة.
وقال: "يلتقط القاص الحاذق مفرداته بأناة ودقة متناهيتين, وبحرفة عالية, مثل الرسام الذي يحسن اختيار ألوانه, أو النحات الذي يجيد اختيار أدواته, ويتحسس القاص مواضع الكلمات على شريطة الدقة وسلامة اللغة, والاقتصاد".
وأضاف نائب رئيس النادي أن دور البطل "الشخصية" يأتي سواءً كانت خيالية أو واقعية أو مزيجاً بينهما أو كونها رئيسية "محورية" مع شخصية ثانوية أو معارضة لتتنامى أحداث القصة, مع مراعاة البعد النفسي والاجتماعي والجسدي لأبطال القصة.
وركّز جمعان الكرت على عنصر لحظة التنوير، وهي النقطة التي تتجمع فيها وتنتهي إليها خيوط الحدث، فيكتسب معناه المحدد الذي يريده الكاتب. وأضاف أن القصة تفقد قيمتها إذا لم يتحقّق شيئان هما؛ الإمتاع والفائدة؛ لأن القاص يقوم بترجمة الأحاسيس والمشاعر البشرية على شريطة الصدق وإشراقة الأسلوب والقدرة على تفجير الأسئلة, مشيراً إلى أن العمل القصصي ليس بالموضوع، بل بالمضمون الذي يتغلغل قي وجدان الناس ويؤثر في حياتهم باعتبار القصة سلافة تجارب حياتية.
كما انعطف نائب رئيس النادي في حديثه عن تطوّر كتابة القصة في السعودية، حيث صدرت أول مجموعة قصصية عام 1366ه للكاتب أحمد عبد الغفور عطار, فيما صدرت أول مجموعة قصصية نسائية لنجاة خياط عام 1385ه بعنوان "مخاض الصمت"، وذكر من كتاب القصة إبراهيم الناصر وعبد العزيز المشري عبد خال وغيرهم, لافتاً إلى أنطولوجيا القصة القصيرة لخالد اليوسف لمن أراد التوسع في معرفة كتاب القصة.
وبعد ذلك طرح الدكتور يونس ورقته بعنوان "مداخل نظرية وتعريفات للقصة القصيرة"، وعرض فيها لتعريفات القصة في الأدب الأجنبي المعاصر، والأدب العربي الحديث، من خلال الدراسات والبحوث النقدية التي تطرّقت لتعريف القصة القصيرة، وعرض لتطوّر مفهوم القصة القصيرة ابتداءً من القرن التاسع عشر حتى أيامنا هذه، كما قدّم تعريفات عدة لها، ومفاهيم عديدة من خلال آراء الكتاب والنقاد الأجانب، وكذلك النقاد والباحثين العرب.
وذكر الدكتور يونس، أن القصة القصيرة تطوّرت وازدهرت ازدهاراً واضحاً على يد جيل الستينيات من كتاب القصة العربية، ومن أبرزهم: محمد حافظ رجب، ويحيى الطاهر عبد الله، وإدوار الخراط، وسليمان فياض، ومحمد البساطي، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد، وإبراهيم أصلان، وعبد الحكيم قاسم، ومجيد طوبيا، ومحمد إبراهيم مبروك، وبهاء السيد، وعز الدين نجيب، ومحمد جاد الرب، ومحمد عباس، والدسوقي فهمي، وخيري شلبي، ومحمد مستجاب، ومحمد جبريل. كما برز من سوريا أعلام مهمون منهم: عبد الله عبد، وزكريا تامر، وحيدر حيدر، وعبد السلام العجيلي، وغيرهم.
ورأى الباحث أنه كان للقصة الأجنبية أثر كبير في القصة العربية على مستوى التقنية الشكلية، والجمالية، وعلى مستوى المضمون أيضاً، ذاكراً من أعلام القصة الأجنبية الذين تأثّر بهم كتاب القصة العرب: موباسان وزولا وتورجنيف وتشيخوف وهاردي وستيفنسن، وتشيخوف وإدجار آلان بو وجوجول وأوسكار وايد ودوديه وهوفمان، وغيرهم.
كما تطرّق الدكتور يونس إلى العلاقة العميقة بين الواقعي والتخيلي في القصة القصيرة، وآفاق هذه العلاقة، ودورها في بناء القصة القصيرة، مبيناً أهم فضاءات القصة القصيرة، وعناصر القصة القصيرة، ودورها في بناء القصة.
وتعرّض الباحث لجذور القصة العربية في أدبنا وتراثنا العربي القديم، من خلال الحكايات الشعبية، والتراث السردي المروي، ومن خلال المقامات العربية.
وفي اليوم التالي تم استعراض عدد من النصوص القصصية لكتاب من المملكة والوطن العربي، وتم تحليلها وفقا للعناصر الأساسية عند بناء القصة القصيرة، كما قدّم المشاركون والمشاركات من قاعة الخنساء النسائية نماذج من بوحهم القصصي وتناولها الدكتور يونس بالتحليل الفني.
وطرح المشاركون والمشاركات عدداً من الأسئلة حول القصة والفرق بينها وبين الرواية والقصة القصيرة جداً, والخاطرة.
وشارك من الأكاديميين الدكتور عادل شاويش والدكتور السيد عبد الحي من جامعة الباحة وسعد الحارثي والمهندس عبداللطيف أمين, والشاعر أيمن قاسم الزهراني.
وفي ختام الورشة سلّم نائب رئيس النادي جمعان الكرت المشاركين شهادات حضور الورشة التدريبية, فيما سلّمت رئيسة اللجنة النسائية مستورة حنش الزهراني ونائبتها جوهرة معيض في قاعة الخنساء المشاركات شهادات الشكر والتقدير.