في الوقت الذي باتت فيه المنطقة التاريخية بوسط مدينة جدة بؤرة لتصنيع الخمور وملاذاً للمتخلفين والمتسولين من جنسيات معظمها صومالية بعد أن كانت موطناً لكبار بيوت جدة القدماء الذين هجروها ورحلوا إلى أحياء شمال المحافظة وبقيت أطلال تلك البيوت القديمة مقراً لجلسات متخلفين صوماليين بعد أن كان مركاز العمدة والدكان القديم ومحل الفول لأهل جدة القدامى يجتمعون فيه ويتسامرون، فإن الزائر لتلك المنطقة يأخذه الشوق لحنين الماضي وتأريخ الأجداد, نعم هي المنطقة التاريخية التي لم تعد تحمل إلا اسمها. في هذه الأثناء طالب المشاركون في الأمسية الثقافية التي أقامتها إدارة وتأهيل العمران بالمنطقة التاريخية "أمانة جدة" بزيادة الاهتمام بالمنطقة التاريخية، وتخصيص نسبة من رسوم اللوحات الإعلانية لترميم المباني. ودعا المشاركون من رجال الفكر والثقافة إلى منع قيام بعض التجار من هدم المنازل القديمة وإقامة عمائر بدلاً منها. وأوضح مدير إدارة تأهيل وتطوير العمران الدكتور عدنان عدس أن الأمسية الثقافية التي شارك فيها عدد من الأدباء والمفكرين وأعيان وأبناء جدة التاريخية تهدف إلى التأصيل لبيوت جدة وتاريخها والتوصل إلى تسمية لهذه البيوت وتوثيقها. وقال إن تاريخ جدة الحضاري وكنزها التراثي يكمن في المنطقة التاريخية وبيوتها ببنيانها العمراني المتميز ورواشينها، مشيراً إلى أن وراء كل بيت من هذه البيوت حكاية وتاريخاً طويلاً من سير الآباء والأجداد، بيد أن هذا الإرث غير مدون ولا يوجد تأصيل له في كتب ومطبوعات. وأضاف كل ما هنالك أن عدداً من الأشخاص لا يزالون يحملون ذكريات جدة القديمة وحكايات بيوتها، لهذا جاءت الأمسية الرمضانية التي عقدتها الإدارة الأسبوع الماضي في بيت البلد حول جدة التاريخية. وأضاف أن موضوع الأمسية التي تعد الأولى من نوعها ركز على استعراض بيوت جدة المهمة والمصنفة تاريخياً والتي تعتزم الأمانة عمل لوحات نحاسية أو رخامية تثبت على كل بيت تحكي فيها سيرة مختصرة عن البيت، وتاريخ بنائه، واسم مالكه، والتأريخ لبيوت المشاهير في الفن والفكر والأدب والرياضة من أهل جدة، وحتى البيوت التي سكنها بالإيجار، بعد ترميمها لتتعرف الأجيال المقبلة على هذا الإرث الحضاري. وأضاف أن المشاركين من رجال الفكر والثقافة والمهتمين بجدة التاريخية سيكون لكل منهم نصيب في التسمية والتأصيل لهذه البيوت وأسبابها وزمانها، بحيث يتم التوافق بين الجميع على كل بيت من بيوت جدة التاريخية التي يصل عددها إلى ما يقرب من 400 بيت في المنطقة التاريخية، موضحاً أن المشكلة ليست في تسمية جميع البيوت ولكن هناك عدد من البيوت التاريخية يدور حولها جدل في التسمية كبيت الشربتلي وبيت أبو دحيلس ودارة الشام من البيوت النادرة الذي له أربع واجهات كل منها ببلكونات وإن حصل به بعض التشويه ولكن يمكن إعادته إلى ما كان عليه، وعلينا دعوة بيت باعشن للعمل على ترميم هذا البيت التحفة وإعادته إلى الصورة الجميلة التي كان عليها، مطالباً الأمانة بتخصيص جزء من المبالغ التي تقوم بتحصيلها من اللوحات الإعلانية والمحلات بالمنطقة التاريخية وتوجيهها للإصلاح والصيانة، ودعوة القادرين من أصحاب البيوت إلى ترميم منازلهم. وأضاف أنه ليست جميع بيوت المنطقة التاريخية تحمل ملامح جمالية، مشيراً إلى أن هناك قائمة تضم 75 منزلاً ذهبياً بالمنطقة يجب الحفاظ عليها والعمل على ترميمها وشرح أسمائها وتواريخها لأهالي جدة وزوارها. أما العم محمد درويش رقام- أحد سكان مدينة جدة الذين عاشوا زمنها الجميل في منتصف القرن الرابع عشر الهجري- فقام بعرض سير لعدد كبير من بيوت جدة التاريخية وحكايتها ومن سكنها ومنها بيت البسيوني ووقف الفلاح وبيت أبو صفيهن وبيت القمصاني ونزل الريس، ومنزل كدوان. وأشار إلى أن هناك ما يقرب من 10 منازل حولها لبس في مسمياتها ويطلق عليها أهالي جدة مسميات بخلاف أسمائها الأصلية وأسماء ملاكها ومن سكنوها ومنها بيت الشربتلي. وأضاف أن البرحات في المنطقة التاريخية كان يطلق عليها أسماء البيوت التي كانت تطل عليها ولم تكن لها تلك الأسماء المسماة بها الآن كبرحة العتيبي التي كان يطل عليها بيت العتيبي الذي جرى هدمه وأقيمت مكانه حديقة الفوتوغرافيين، وبرحة الشيمي. ويرى مراقبون أن جدة كانت خالدة بتلك المنطقة التي ما إن تدخل في أزقتها حتى تسمع زقزقة العصافير وترى أصحاب العمائم الصفراء يجوبون أزقتها ترافقهم أصوات المجس .