في تاريخ كرة القدم السعودية محطات لا يمكن لأي متابع أو عابر إلا أن يتوقف عندها ، ويتأمل ملامحها التي تبوح بكثير من تفاصيل المكان والزمن الجميل الغابر . وما إن يأتي ذكر تاريخ كرة القدم السعودية ، حتى يقفز إلى الذهن اسم ركنين مهمين من أركانها ، وكيانين ولدت في كنفهما كثير من الأسماء اللامعة ، والنجوم التي تلألأت في سماء الكرة العربية والآسيوية والعالمية ، النصر والهلال . وإذا جاء ذكر الهلال والنصر ، يمر في الذاكرة شريط طويل من ذكريات أشهر "ديربي" عربي على الإطلاق ، كان ومايزال محط أنظار المتابعين ، لكن نهائي كأس الملك عام 1407ه ، يحمل ذكريات جميلة لايمكن أن تغيب من ذاكرة أي مشجع نصراوي . هذا النهائي التاريخي شهد هدفاً وحيداً جير البطولة للنصر برأس أشهر مهاجم عرفته آسيا ماجد عبدالله ، الذي اعتلى عملاقي الدفاع السعودي حينها قائد المنتخب صالح النعيمة وزميله حسين البيشي ، ليسكن الكرة في شباك الحارس الهلالي خالد الدايل . الهدف النصراوي التاريخي اصطادته بامتياز وإجادة وتفرّد عدسة مصور صحفي ، خلده في الذاكرة ، لتصبح تلك الصورة أجمل وأميز صورة في تاريخ كرة القدم المحلية بإجماع عدد كبير من المتابعين ، ليس لجمال الهدف ، أو لسقف الإرتقاء الذي وصله مسجله وحسب ، بل ولأن من صوّره رصده من زاوية صعبة وفريدة أعطته جمالاً لا يضاهى . لعل كثيرون يجهلون من هو هذا المصور الفذ ، الذي عبرت صورته تلك عدد لا يحصى من الصحف على امتداد الكرة الأرضية ، ذلكم هو المصور أحمد آدم موسى ، الذي التقته "سبق" ودار معه حوار قصير ، حول قصة هذه الصورة التي لازالت ترافقه في حله وترحاله حتى اليوم ، إلى درجة أنه كثيرين يعرفونه ب"مصور ماجد" . يقول موسى إن تلك الصورة هي من أعز ما اصطادته عدسة كاميرته التي رافقته قرابة الأربعين عاماً ، وأنه تلقى عروضاً مادية مغرية مقابل التخلي عنها لكنه رفض ، وسيرفض مستقبلاً حتى لو عرض عليه مليون ريال مقابل "النيجاتيف" الذي يحتفظ به حتى اليوم ، وسيورثه لأبنائه من بعده . عن قصة هذه الصورة يقول موسى ، الهدف جاء مبكراً في الدقيقية الثانية من اللقاء ، وهذا مالم يتوقعه أي مصور ممن كانوا يتابعون المباراة ، حيث استهلكوا معظم أفلام التصوير في إلتقاط صور لما قبل إنطلاق المباراة ، وتوقفوا لإستبدال الأفلام المستهلكة بأفلام جديدة ، إلا أنني ولحسن الحظ لم ألتقط إلا القليل من الصور ، وكنت أقف في مكان جيد نوعاً ما ، سمح لي بزاوية رؤية أفضل عند وقوع الخطأ الذي ارتكبه مدافع الهلال عبدالرحمن التخيفي ضد مهاجم النصر محيسن الجمعان ، وعندما تقدم قائد النصر يوسف خميس لتنفيذ الخطأ أشار لماجد عبدالله بأنه سيلعب الكرة ساقطة ، فقلت لزميل يقف بجانبي أترك اللاعبين وركز على ماجد...سيفعلها ! وبالفعل رفع خميس الكرة ساقطة فقام ماجد بالتمويه على النعيمة والبيشي وتظاهر بالقفز قبل وصول الكرة ، ليقفز فعلاً النعيمة والبيشي سوياً وعندما نزلا ارتقى ماجد وحيداً ووضع الكرة في الشباك ، واصطدته من أعلى نقطة وصل لها والتي كانت بعلو عجيب لم أشاهد مثله في حياتي . وبعد نهاية المباراة عدت لمكتب جريدة المدينة ، وقمنا بتظهير الصور لنكتشف هذه الصورة التاريخية ، حيث قام مسؤول الشؤون الرياضية في ملحق الملاعب الأستاذ حسن باخشوين بوضعها على الصفحة الأولى ، وعلق عليها بمانشيت شهير "سكان الملز يشتكون ماجد بعد أن كشف منازلهم بارتقائه" . ويضيف آدم : قمت بتكبير الصورة وإهدائها للأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود الذي سر بها وأعجب أيما إعجاب ، فطلب منها نسختين أخريين ، واحدة وضعها في منزله ، والأخرى في نادي النصر ، لازالت موجودة حتى الآن . وعما إذا كان الأمير عبدالرحمن قدم له مكافأة مقابلها ، قال آدم : حظيت من الأمير عبدالرحمن بمكافآت مادية كبيرة ، ومكافآت معنوية لاتقدر بثمن ، وكذلك كثير من أعضاء شرف النصر ، حتى ماجد نفسه أهديته الصورة وقدّم مكافأة لي ، ووضع الصورة في منزله . وعن العروض الذي وصلته لشراء الصورة قال آدم : جاءتني عروض كثيرة للحصول على "نيجاتيف" الصورة ، وآخرها كان من رجل أعمال سعودي يرغب باستثمارها تجارياً ، لكنني رفضت . وعندما سؤاله هل سيتخلى عن "النيجاتيف" مقابل مليون ريال مثلاً ، قال آدم : لم أفكر مطلقاً في التخلي عن أصل الصورة مهما كان الثمن ، لأنها لا تقدّر بأي ثمن مادي مهما بلغ . وسألنا آدم عن إمكانية تعديل الصورة أو استخدام وسائل التقنية لإضفاء شيء من المبالغة عليها ، فردّ بالقول : هذه الصورة التقطت قبل أكثر من عشرين عاماً ، وقتها كانت التقنية عاجزة عن إدخال أي تعديل على الصور ، وهذا شيء مسلم به ، مما يؤكد أن الصورة أصلية وطبيعية 100% . وحول علاقته بالهلاليين ، وعما إذا كانت الصورة قد أثرت عليها ، قال آدم : بالعكس ، تربطني علاقات مميزة مع كل الهلاليين ...، قابلت الرئيس الهلالي الراحل عبدالله بن سعد رحمه الله عدة مرات وكان يعرفني ، ويعرف أنني صاحب الصورة ، ولم تتأثر علاقتي به بسببها ، حتى الرئيس الهلالي الحالي الأمير عبدالرحمن بن مساعد كنت ولازلت أحتفظ له بود كبير ، وكنت أصوّر أمسياته الشعرية قبل دخوله المجال الرياضي .. ، لكن لايخلو الأمر من مداعبات هلالية بين حين وآخر محورها الصورة الشهيرة . وعن ميوله الرياضية قال آدم أنا هلالي سوداني ، ونصراوي سعودي ، كنت أشجع الهلال السوداني ، وعندما جئت للسعودية كان أشهر لاعبي السودان يلعبون للنصر كمصطفى النقر وعلي قاقارين ، فاتجهت لا إرادياً لتشجيعه ولازلت . وختم آدم هذا الحوار السريع بأمنياته بأن يعود النصر لسابق عهده ، لتعود للديربي العاصمي نكهته المعتادة ، وقال : إدارة الأمير فيصل بن تركي تبشر بكل خير ، والتغييرات الكبيرة والمتسارعة التي أحدثها منذ مجيئه أعادت لجماهير النصر الأمل في أن ترى نصراً قوياً كما كان ، ولعل بداية العودة تكون في هذا الموسم الذي يوشك على الانطلاق . يذكر أن المصور أحمد آدم يعد من أقدم المصورين الرياضيين الموجودين في المملكة ، وقضى في الملاعب السعودية مايزيد عن ثلاثين عاماً تنقل خلالها بين عدد من الصحف السعودية ، ورافق كثير من الأسماء الصحفية المرموقة في مهمات عمل ، كعثمان العمير ، ومطر الأحمدي ، ومحمد التونسي ، وحاسن البنيان ، ومحمد العوام ، وحين الفراج ، وغيرهم .