عندما علمت أن (رضا لاري) دخل المستشفى التخصصي ذهبت سريعا لزيارته، ولكنني صدمت عندما وجدت ابنه وبعض أقاربه، وعرفت منهم أن الزيارة ممنوعة لأنه دخل غرفة الإنعاش، ولا تتصوروا مقدار الكآبة التي اجتاحتني بعد ذلك، ورجعت وفي الطريق أول ما خطر على بالي أن أكتب فيه كلمة رثاء وهو لا زال حيا. رضا نموذج من البشر قلما يتكرر، فروحه السمحة، وشجاعته وعنفه المحبب، وسرعة بديهته الخلاقة التي لا تخلو من السخرية، كل تلك الصفات تجعل منه فاكهة المجالس. وهناك تناقض عجيب بين ما يكتب بكل جدية، وشخصيته المرحة ويا سبحان الله في هكذا تناقض ف (95 %) تقريبا من كتاباته كلها سياسية، وهو مناهض بالدرجة الأولى لإسرائيل والاستعمار، ومتحمس إلى أقصى الحدود للقضية الفلسطينية. وقد اتصلت به يوما مشاكسا وأنا أقول له عبر التلفون: خفف من غلوائك يا رضا، فرد علي مازحا: اسكت يا مشعل وإلا أنني سوف أضعك في خانة (الأذناب). كانت أحلى السهرات التي سهرتها هي التي يكون مشاركا فيها، حيث لا يترك المجال لأي متحدث، بل إن كل من يكون بالمجلس لا يريدونه أن يسكت لما يحمله من معلومات، ولما يطرحه من تعليقات، ولما يفجره من نكات، وتمر الساعة في حضوره وكأنها دقيقة. وسبق لي أن طرحت عليه فكرة كتابة مذكراته، فسألني وهو يقول: بصراحة أو بدون صراحة؟!، قلت له: طبعا بصراحة، فرد علي سريعا قائلا وهو يضرب على كتفي قوم يا (FOX)، تبغى تتشفى بيا عندما تشاهد (الكلبشات) في يدي. الواقع أنه لو كان يكتب فقط مثلما يتكلم فلن يضاهيه أحد في خفة الروح، وخفة روحه ليست قائمة على الهزل، ولكنها كانت مدعومة بالمعلومات والذكريات الغزيرة. وهناك موقف قد حكاه لي عندما كان من ضمن المستقبلين في مطار الرياض للأمير (تشارلز والأميرة الراحلة ديانا)، وقال «قبل أن يصلني الدور فكرت أنه بدلا من مصافحتها سوف أقبل كتفها لما أكنه لها من التقدير والاحترام، فأسررت لأحد المسؤولين بهذه الرغبة، غير أنه نهرني وحذرني من فعل ذلك، وتوقفت ولم أفعل. قلت له صادقا: لو أنني كنت في مكانك لما أسررت لأحد برغبتي، ولكنني سوف أفاجئ الجميع ليس بتقبيلي لكتفها فقط، ولكن ليدها أيضا لو أستطيع. قد يكون رثائي هذا لذلك الصديق الحبيب غير مستساغ عند البعض، ومختلفا عن الرثائيات (الكلاسيكية) المعتادة، ولكن ما يشفع لي أنني أعرفه رحمه الله، فقد كان يكره الأحزان وأكثر منها كان يكره الدموع. جمعني الله به، ولا أدري أين؟!