جاء رد فعل السعودية على تجاوز الكونغرس لفيتو أوباما ضد قانون «جاستا» هادئا وعقلانيا في آن، أولا لأن القانون الذي يشكل مصدر قلقٍ كبيرٍ للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية لا يستهدف السعودية وحدها، ولكنه يطال الجميع، إذ إنه يفتح المجال لأي شخص أمريكي أن يرفع دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية وهي خطوة غير مسبوقة من شأنها أن تثير فوضى تشريعية وحروب تعويضات في العالم، لذا فقد أخطأ الكونغرس بكسره الفيتو الرئاسي، لأنه لم يدرك جيدا أن ثمة فارقا كبيرا بين «حسابات الحقل وحسابات البيدر». فالمؤكد أن دولا أخرى ستلجأ إلى شرعنة قوانين مشابهة ستطال الولاياتالمتحدة ومسؤوليها وجنودها. وعندما يؤكد بيان وزارة الخارجية السعودية أن من شأن «جاستا» أن يضعف الحصانة السيادية والتأثير سلبا على جميع الدول بما في ذلك الولاياتالمتحدة فإن السعودية هنا ترسل رسالة مهمة مفادها أن إضعاف الحصانة السيادية خطوة غير مسبوقة في العلاقات الدولية، ومن شأن هذه أن تؤدي إلى توتير العلاقات الدولية، باعتبار أن مبدأ الحصانة السيادية حق كفلته القوانين الدولية ولا يمكن لقرار أن يختطفه بمجرد تمريره من جهة تشريعية خصوصا أن «جاستا» سيقود في المقام الأول إلى محاسبة مسؤولين أمريكيين كما ذكره الرئيس أوباما في معرض رده على تصويت الكونغرس الذي ارتكب خطأ إستراتيجيا. المصدر السعودي أشار أيضا إلى موقف الإدارة الأمريكية التي أعربت عن معارضتها للقانون، وذلك على لسان الرئيس أوباما ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير وكالة الاستخبارات المركزية لأنهم يدركون جيدا تداعيات هذا المشروع على الولاياتالمتحدة نفسها، وأيضا على شراكاتها مع الحلفاء، وهو ما يمكن أن ينعكس سلبا على جهود مكافحة الإرهاب. إن المعارضة الدولية والعربية التي تصاعدت ضد «جاستا» تكشف بما لا يدع مجالا للشك مكامن الخطر الشديد الذي يشكله هذا القانون على العلاقات الدولية وما يمكن أن يؤدي من تجاذبات واحتكاكات وتغيير في قواعد اللعبة الدولية. ورغم كل ذلك، لا يزال الأمل قائما في أن يعيد الكونغرس في ضوء مطالبات عدد من النواب النظر في القانون وأن يتم تعديله قبل دخوله مرحلة الفوضى لأن هناك ثغرات كبيرة وقضايا عدة يمكن الدخول إليها من خلال «جاستا» ومحاسبة مسؤولين وعسكريين أمريكيين خصوصا مع انخراط الولاياتالمتحدة في حروب مثيرة للجدل مثل حربي أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003، إضافة إلى عمليات عسكرية سقط فيها مدنيون في بلدان أخرى في إطار ما يعرف بالحرب على الإرهاب، كما أن الحكومة الأمريكية أيضا معرضة لدعاوى فردية في هذه البلدان. والمطلوب من عقلاء الكونغرس التزام الحكمة والحنكة واتخاذ الخطوات اللازمة لتجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على هذا القانون الذي لم يحدد بصيغته الحالية دولا بعينها ولا يستهدف السعودية على وجه التحديد، لكنه في الوقت نفسه يثير الريبة والشكوك حول دوافعه التي تهدد الأمن القومي الأمريكي أيضا، وتعرض المصالح الإستراتيجية الأمريكية لخطر كبير، ومن ثم فإن تعديل هذا القانون أو التراجع عنه بات مطلبا دوليا وضرورة حتمية لتجاوز المخاطر الكبيرة التي وضعها على خريطة العلاقات الدولية.