ألهبت أشواق المحبين المتطلعين لزيارة مكةالمكرمة قرائح المبدعين؛ كيف لا وابن الأمير الصنعاني يترنم (وتسرح فيك العيس بين ثمامة، وتستنشق الأوراح نشر خزاماه، ونشكو إلى أحبابنا طول شوقنا، إليهم وماذا بالفراق لقيناه). ولطالما سجل أدب الرحلات حضوراً في تاريخ الأدب العربي، لا سيما تلك الرحلات المرتبطة بالبلد الحرام، وأداء فريضة الحج، كون الرحلات سابقاً في غالبها تعتمد على الرواحل من الإبل والبغال والحمير، ومن شرق الديار الأقصى إلى غربها تنطلق مواكب الحجيج قبل أشهر من بدء موسم الحج، وتذرع الوفود فجاج الأرض تمر على الآثار، وتستعيد مواقع وترصد ما بقي من رسوم ونقوش حضارات سادت ثم بادت. ويمثل أدب رحلات الحج رافداً نوعيا مهماً لأدب الرحلات، ويعد الأندلسيون والمغاربة ممن أثروا تراثنا العربي بسردهم التاريخي والجغرافي والأدبي. والرحالة عبدالله كنون أحد دهاقنة أدب الرحلات؛ إذ قام بتسجيل رحلته إلى الديار المقدسة ونشر رحلته الحجازية ضمن كتابه (تحركات إسلامية) وقال في المقدمة (الكتاب الذي بين يدي القارئ مما يتصل بغالب هذه الأغراض، ففيه من السفارة نصيب، والحج أهم مقاصده، ولقاء برجالات الإسلام والعمل معهم يدا بيد على ما فيه خير الملة والدين، مما هو ثمرة العلم، وهو المحور لهذه الرحلات). ودون اللواء إبراهيم باشا رحلته في كتابه (مرآة الحرمين) ولقي الكتاب شهرة واسعة نظرا لما تضمنه من انطباعات عن الحرمين الشريفين. ومن الرحلات رحلة السيد غلام رسول مهر أحد علماء الهند روى خلالها سيرة الأماكن المقدسة عندما قدم لأداء مناسك الحج، وبدأت عام 1348 من لاهور إلى مكةالمكرمة، ووصف بكل دقة وتفصيل خطوات الرحلة ولقاءه بالملك عبدالعزيز، وقامت دارة الملك عبدالعزيز في عام 1417 بإصدار هذه الرحلة وترجمتها إلى العربية. ويؤكد الكاتب عبدالله الحقيل أن القدرة البيانية تتجلى وتبرز في أدب الرحلات، خصوصا رحلات الحج؛ نظرا لما لها من تأثير على القلوب والعواطف، واشتياق القارئ إلى متابعته في هذه الوقفة الروحية، والتدليل على حاجة المسلمين إلى التعاون والاستفادة من رحلة الحج ويقدم ذلك في أصالة أدبية، لافتا إلى أن أدب الرحلات من أمتع الفنون الأدبية وأقربها إلى النفس لما في الرحلة من صور أدبية ومواقف رائعة. فيما أوضح الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي أن الحجاج قديما كانوا يفدون إلى مكة عبر أربعة طرق برية، وطريق بحري واحد عبر البحر الأحمر. مشيراً إلى أن الطرق البرية في الغالب تحدد من العواصم بدءا من بغداد عاصمة الخلافة العباسية، أو من دمشق عاصمة الخلافة الأموية، أو اليمن، مؤكداً أن السفر عبر هذه الطرق كان محفوفا بالمخاطر، فضلا عن دفع أموالاً للمرور عبر ديارهم، لافتاً إلى ما منّ الله به على الحجيج منذ وحدة هذه البلاد، وما توفر من خدمات وأمن ورعاية طيلة تسعة عقود.