انتقام مر من أمام (الفيلا) يتوكأ على عصاه بيمناه، وباليسرى يوثق الكيس المحمول على ظهره .. يسير بخطى متقاربة مهزوزة حتى وصل السوق .. بسط الكرتون الذي أخذه من الطريق، وحشره في الكيس .. أسند ظهره على العمود المقابل لمحل الذهب .. فرد بضاعته أمام مساويك (بشام وآراك) .. أخرج من جيب كوته المهترئ سبحة بالية زال الطلاء الذي يغطي حباتها البلاستيكية.. أنزل رأسه يسبح ويستغفر.. لا يأبه بمن يمر، ولا يرقب الطريق الذي يأتي منه الزبائن موقنا أن الرزق آت. قبيل الغروب يجمع ما تبقى من بضاعته .. يقصد المسجد .. يصلي للمغرب ثم يعود مرورا من ذات المكان .. يتكرر المرور يوميا .. يلحظه صاحب الفيلا .. اليوم الأول لرؤيته يتجاهل المشهد .. اليوم الثاني تبدأ علامات التعجب وطرح الأسئلة .. يومان آخران على اليومين الأولين .. يذهب لتفقد محل الذهب .. يتفاجأ به أمام المحل يسأل البائع: هل هذا الرجل يأتي هنا يوميا؟ نعم له قرابة شهر وهو يفرد ما بكيسه القذر أمام المحل .. خطف حقيبته الجلد وغادر المحل دون التعليق بشيء .. توجه إلى الفيلا .. أمر الحارس أن يمنع الرجل الكهل من المرور ذهابا أو إيابا من أمام الفيلا، وعاد لسيارته يقودها بسرعة جنونية، ليصل في أقل من عشر دقائق إلى مبنى البلدية طالبا منهم تنظيف واجهة محل الذهب: الكيس وحامله. الرغيف وقف كثيرا مع المنتظرين في طابور الخباز يرمق الناس بنظرات كأنه يستعجلهم في الحصول على أرغفتهم والانصراف ليأتي دوره ... الطابور يسير ببطء.. كم تبقى؟ ثمانية أشخاص، يا للصباح اللعين !! كأن عقارب الساعة تسير حسب رغبة الخباز وضد الجائع المنتظر مثلي ... قالها وهو يخرج رأسه عن الطابور لينظر لأوله ماذا حل به .. بدأ العد التنازلي: اثنين .. واحد .. أخيرا جاءت اللحظة: أدخل يده في جيب بنطاله يتحسس .. أين الدراهم؟ متأكد أنها كانت فيه ليلة البارحة!! تحسس أكثر .. وجد خرقا في أسفل الجيب. ____________________ * قاصة وكاتبة سعودية