تكررت خلال الأيام القريبة الماضية كلمتا (الدلع والبطيخ) في وسائل التواصل الاجتماعي، وفوق شفاه كثير من المتحاورين، وتلقفتها بشغف العيون والآذان والألسنة، فكانت محور نقاش ساخن بين أغلبية من الناس، فما الذي أكسب هاتين المفردتين هذه المكانة المهمة وجعلهما محور الأحاديث؟ البطيخ فاكهة لذيذة من فواكه الصيف، أحبه الناس فأشبعوه تغزلا كما أشبعوه عضا ونهما، تغزلوا برائحته وحمرته، وتفننوا في طرق تقطيعه وأساليب تقديمه، وأوردوا ذكره في مؤلفاتهم، ذكره الجاحظ والوشاء وابن الوردي وغيرهم، وذكروه في أمثالهم فقالوا (الزواج كالبطيخة)، و(إذا أقبل البطيخ بطلوا الطبيخ) وغير ذلك، وذكروه أيضا في أدويتهم، فوصفوه لعلاج علل كثيرة، وقالوا عنه إن له أثرا يفوق الفياغرا في فعاليته، لكن أهم من هذا ما يقولونه عن أثره في التهدئة وبث الطمأنينة في النفس، فهو حسب وصفهم مهدئ للقلق مزيل للتوتر باعث على الاسترخاء، لذلك هم كثيرا ما ينصحون المتوتر بتناول البطيخ فيحرصون على أن (يحط في بطنه بطيخة صيفي) تبعث الاطمئنان إلى قلبه. ويكفي البطيخ فخرا أنه، كما يقول أبو هريرة رضي الله عنه، كان أحب الفاكهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحب الناس البطيخ وتعلقوا به، وأطلقوا عليه أسماء متعددة، فسموه حبحب وجح ورقي و(دلاع)، والواحدة منه (دلاعة)، وقد تكون تسمية البطيخ بالدلاع جاءت نتيجة ارتباطه الوثيق بالدلع، فأكل البطيخ نوع من الدلع، فالبطيخ حلو المذاق، بارد في الصيف، مطفئ للعطش، قليل السعرات الحرارية، فمن يتناوله لا بد أنه مدلع، خاصة أن البطيخ مضاد للأكسدة، طارد لسموم الجسم التي تعيق التفكير الجيد، لذلك فإن من يأكله تخرج السموم من جسمه على شكل ألفاظ شوهاء تنزلق على اللسان وقت الانفعال. والعلاقة بين البطيخ والدلع لا تنتهي عند هذا القدر، فحسب ما تقوله معاجم اللغة، فإن كلمة دلع هي مصدر الفعل (دَلَعَ) ومعناه إخراج اللسان من الفم بفعل العطش أحيانا، فاللسان كي يروي عطشه لابد له من الاندلاع حتى يتمكن من الوصول إلى البطيخ البارد الريان لتناول عضة منه تشفي ما به من جفاف ووهج. أخيرا من المعلوم أن البطيخ وسيلة مزاح، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم، يتمازحون بتقاذف البطيخ، حسب رواية شيخنا الجليل البخاري، وما دام الأمر كذلك، لماذا أشعل الناس كل هذا الصريخ من أجل (حتة بطيخ)!!. [email protected]