المال في تعريف الفقهاء ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، وهو شرعاً ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة فخرج ما لاينفع فيه أصلاً. يقول عليه الصلاة والسلام: «ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء». محدداً سقف الكفاية في المأكل والملبس والمسكن ويلحق بها ما في معناها مما لم يرد في الحديث بالنص. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا». وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول وأجاز ابن تيمية بأن من له أقارب مستحقين للزكاة أعطاهم من زكاته، كما يجوز دفع زكاته إلى والديه إن كانوا فقراء لأن المقتضى موجود والمانع مفقود. ويروي أبو سعيد الخدري: بينما نحن في سفر مع النبي إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له»، قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل، والحديث يحث على من كان عنده فاضل عن حاجته فليعطه لمن لا يملك. يقول الحق عز وجل: (واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب). وفي الحديث: «أن أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكّوا العاني». ويقول عمر: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء وقسمتها على فقراء المهاجرين. ويقول علي: إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا بمنع الأغنياء وحق على الله أن يحاسبهم. وما أكثر الأغنياء والمتضخمة أموالهم يقابلهم نسبة عالية من الفقراء والمحتاجين، والمرضى والعاجزين. لا يسألون الناس إلحافاً. يؤكد الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء (لو أخرج الأغنياء زكواتهم وذهبت لمستحقيها لما بقي فقير واحد في السعودية)، ولكن هناك إهمال وتقصير وغفلة من البعض في عدم دفع زكواتهم كما أرادها الله بنصابها وقدرها، وهذه كارثة اجتماعية توجب مناصحة الأغنياء بأهمية إخراج الزكاة وعقوبة مانعيها. وقد أنزل الله في ثعلبة قرآناً ومنع رسوله أن يأخذ منه صدقة أمواله وكذلك فعل أبو بكر وعمر، عقاباً له عن امتناعه أداء زكاته بعد أن أغناه الله، فمن يريد أن يكون مثل ثعلبة؟ الذي دعا عليه بقوله ويح ثعلبة. يقول ابن تيمية (إن من لا مال له وهو عاجز عن الكسب فإنه يُعطى ما يكفيه من أموال الدولة) ممثلة في هيئة الزكاة والدخل التي تجبي أموالاً كثيرة أو من فضل أموال الأغنياء. فهدف الإسلام الأسمى رفع مستوى أفراد المجتمع عن طريق العمل إن وُجد أو عن طريق الزكاة وفضول أموال الأغنياء فهي حق معلوم للسائل والمحروم بعيداً عن صرفها للمساعدات الخارجية التي تجاوزت 4 أضعاف المطلوب من المملكة وتعتبر من أكبر الدول المانحة والداعمة لصندوق مكافحة الفقر في العالم غير مساعدتها للمنكوبين في الحروب والكوارث. فالدولة لم تقصر في إغاثتهم. والدولة قننت التبرعات حتى لا تخرج عن إطارها الصحيح فلا يصح التأثير على الأغنياء بأخذ زكواتهم لأغراض حزبية وتدعيم جهات إرهابية والسعي بها في الأرض فسادا. فلنتوجه بأموال الزكاة وصدقات المقتدرين إلى الداخل لمحاربة الفقر والمرض والحاجة اعتماداً على المصرف السابع في الزكاة (وفي سبيل الله) وهو يشمل كل مصلحة اجتماعية ووجوه الخير وسائر المصالح الشرعية العامة وكل عمل خيري وكل ما يعود على المسلمين بالمنفعة، فيجوز الصرف من أموال الزكاة على بناء المستشفيات وتعبيد الطرق وبناء المدارس والأربطة ودور الأيتام والعجزة. وقد أجاز المفتي حفظه الله إخراج الزكاة للمساجين والمعسرين لفك سجنهم. كما أجاز سماحته دفع الزكاة لمرضى الفشل الكلوي، وقياساً عليه فهناك الألوف من مرضى السرطان والأورام والأمراض المستعصية والقلوب المتألمة وأمراض جدّت علينا تحتاج إلى عناية ودواء وغذاء، كما أفتى الشيخ المطلق بعلاج الفقراء وتكاليف عملياتهم الجراحية وصرف الدواء لهم وتعليمهم وتدريبهم على المهن وهي كلها مصارف للزكاة، بل وكل المصالح العامة التي ملكها لله ونفعها لخلق الله. فأيها الأغنياء اصدقوا الله في حقه وأعطوه كاملاً. امسحوا دمعة حزن من عيون أتعبها المرض والفاقة والحاجة واكفوهم ذل المسألة، فما عند الله خير وأبقى والحسنة بعشرة أمثالها.