في أكبر عملية اقتراض عن طريق طرح سندات حكومية تقوم بها دول خليجية أعلن الأسبوع الماضي عن عزم المملكة على طرح 15 مليار دولار سندات سعودية أمام البنوك العالمية حيث تتسابق بعض الدول الخليجية على الاقتراض العالمي لسد احتياجاتها علماً بأن المملكة قد اقترضت مبلغ عشرة مليارات دولار في أبريل الماضي من بعض البنوك العالمية. والحقيقة أن عمليات الاقتراض لتغطية العجوزات في الميزانيات الخليجية أو لتكملة مشاريع تنموية جديدة هي عملية متبعة في أكبر الاقتصادات العالمية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، وتعتبر المملكة أحد أكبر المستثمرين في السندات الحكومية الأمريكية بناء على التقرير السنوي لوزارة الخزانة الأمريكية حيث أوضح أن المملكة العربية السعودية تستثمر 184 مليار دولار (690 مليار ريال) في الأوراق المالية الأمريكية نهاية شهر يونيو لعام 2015م وهي تمثل 38% من إجمالي استثمارات المملكة في الخارج والتي تقدر بحوالى 486 مليار دولار أي (1.82) تريليون ريال في نهاية يونيو (2015) وتمثل استثمارات المملكة في السندات الحكومية الأمريكية 32% من إجمالي الأصول الاحتياطية الأجنبية لدى السعودية في الخارج والتي تبلغ (581) مليار دولار (2.18) تريليون ريال وتحتل المملكة المرتبة (22) بين أكبر الدول في العالم تستثمر في سندات الحكومة الأمريكية. ورغم أنني كنت في الماضي ومازلت متحفظا على تراكم استثمار المليارات من فوائض دخل المملكة في السندات الأمريكية وطالبت بضرورة العمل على خفضها وتحويلها إلى الصناديق التنموية التمويلية السعودية ذات العائد الأكبر من عوائد السندات الأمريكية إلا أن كبار المسؤولين المعنيين بالاستثمار الخارجي كانوا معارضين رأيي أو أي حوار في هذا الموضوع وقد تكون لهم حجة. ورغم أنه يعتبر الاستثمار في السندات الحكومية الأمريكية أحد الأوراق السياسية في العلاقات الخارجية إلا أنني مازلت أطالب بضرورة العمل على خفض أرصدة الاستثمار في سندات الحكومة الأمريكية تدريجياً ووضع سقف لها. وقد كان من المناسب السحب تدريجيا لجزء منها وذلك لتخفيض نسب الاقتراض من البنوك العالمية من خلال طرح سندات حكومية. ومن خلال متابعتي لأسماء البنوك العالمية المتوقع ترتيب الاقتراض منها من خلال طرح سندات الحكومة السعودية لم أجد بنكا واحدا عربيا أو خليجيا أو إسلاميا وتساءلت لماذا لم تدع البنوك العربية والإسلامية؟ وقيل لي قد تكون مشتركة من خلال أموالها المودعة لدى البنوك الدولية، وطرحت نفس السؤال أين الأموال الخليجية خارج أوطانها في البنوك الدولية؟ فقيل لنا أيضاً احتمال أن تكون ضمن استثمارات البنوك الدولية في شراء سندات الحكومة السعودية، وسألت عن البنوك السعودية التجارية وفروعها للمعاملات الإسلامية وسألت عن الشركات المصرفية وتساءلت أين الأموال المودعة بدون عمولات وأين تستثمر وما هي العوائد عن استثمارها؟ أليس من الأولى استثمارها في سندات الحكومة السعودية بعوائد شرعية آمنة ومضمونة من الحكومة السعودية؟ أو في المقابل تجميدها في حسابات لدى البنوك، وأين تستثمر البنوك ودائع النساء السعوديات والتي تقدر بحوالى 60 مليار ريال مع ارتفاع بطالة المرأة السعودية إلى 32% وأتساءل أيهما أجدى للمودعين الودائع تحت الطلب والتي يزداد حجمها سنوياً وبدون عوائد أم الودائع ذات عوائد المرابحة والفائدة والتي وصلت إلى أدنى مستوى 1% وأحياناً إلى صفر% ؟ وأخيراً هناك ظاهرة تبرز في الصورة في فترات الركود الاقتصادي وهي ظاهرة تخوف الشركات والمؤسسات والأفراد من التوسع في الاستثمار والتوجه لتجميد الأموال في البنوك أو في حوزتهم الخاصة بحثاً عن المكان الآمن للاستثمار فيها، وهي ظاهرة ليست في المملكة وإنما في جميع أنحاء العالم. ولكن هناك ثقة كبيرة وأمن أكبر لدى المواطنين في الاستثمار في أي مجال تضمنه الدولة أو تضمن عوائده. ولهذا فإنني أؤيد الاستثمار في السندات الحكومية الآمنة ولكن عن طريق البنوك، شريطة أن يسمح للبنوك السعودية شراء جزء من السندات الحكومية من ودائع العملاء المجمدة وعلى وجه الخصوص الودائع التي لا تحصل على فوائد، علماً بأن هناك بلايين خاصة تبحث عن الاستثمار الآمن شريطة أن لا تؤثر على نسب إقراض البنوك للمواطنين وللمؤسسات والشركات. *كاتب اقتصادي سعودي