وقعت بالصدفة على حساب مستخدم مشهور في أوساط الشباب، وأخذني الفضول لمشاهدة ذلك العالم من خلال تطبيق «سناب شات» فوجدته شابا ممن لا يهتمون بنظافة مكانهم أو مظهرهم العام، ويبدو العنف اللغوي والسلوكي على تصرفاتهم كطريقة يعبرون بها عن «الرجولة»، تجدهم على جاهزية بالاندفاع أو الاعتداء نحو أي شيء يعترضهم ولا يتوافق مع مزاجهم، فارغون وفوضويون يقضون غالب أوقاتهم بالتجول في الشوارع. ذلك الشاب مهتم بالسيارات، لا تصادفه سيارة ذات مزايا إلا ويقوم بمسح شامل عليها من جميع جهاتها رغم أنها لا تخصه، ولك أن تتخيل حجم الفراغ الذي يسكن في نفسيته حينما يجد في اهتمامه هذا دورا وظيفيا هاما يتيح له فرصة الظهور أمام أقرانه، مع بعض التعاملات التي هي في أصلها مخالفات بأنظمة السير لكنها تبرزه في نظر متابعيه كقائد، بالمقابل وجدت أنه يخصص جزءا من وقته لنشر تفاعلات متابعيه، ربما هم فارغون أيضا إلى درجة شعورهم بأن نشر تفاعلاتهم السيئة للجمهور العام يشكل شيئا مهما وحافزا للمزيد من التفاعل، وكلما ارتفعت المزايدة بالسوء يحصلون على مزيد من الدعم لحساباتهم. بالنظر للتفاعلات فالملاحظ في غالب ما يتم نشره الاستعراض بالمخالفات الأخلاقية سواء بالكلام أو التهديد لشخص ما يصطفون لاضطهاده ومحاربته، يستعرض بعضهم بالأسلحة أحيانا، والغريب أن بعض المتفاعلين ممن يعملون أو يوهمون بالعمل في القطاعات العسكرية، ويتباهون بتقديم الخدمة لصاحب الحساب من خلال تصوير رتبهم ولوائح أسمائهم والمناطق الداخلية لأعمالهم، متجاوزين أخلاقيات المهنة في استخدام أدوارهم المهنية خارج إطار العمل، أي أن هذه الممارسات بصورتها العامة تقوم فعليا بتكوين ميليشيات على الواقع الافتراضي. تجدهم يتجمعون في أوقات متأخرة للاستعراض بالسيارات والجنون بالسرعة والتفحيط، وكأنهم يتملكون جزءا من المجالات العامة لا يستطيع الأسوياء الدخول إليها، إلى الدرجة التي تجعل المشاهد يشعر بأن شوارعنا مخيفة ومليئة بالتوحش النفسي والسلوكي. سنجد في هذه السلوكيات دلالة على أن الحجم الاستهلاكي لأساليب التقنية قد يتفوق في سلوك الفرد على قدرة الوعي المعرفي بفهمها، ووصل الحال إلى اتخاذها كأدوات لنشر ثقافة سيئة ومهينة تنهش في كيان المجتمع، وهذه الشريحة من الشباب الفارغ والمهمش يعيشون في حالة اغتراب حقيقي وأصبحوا يشكلون خطرا على المجتمع لا يقل عن خطر الجماعات الإرهابية، فسوءهم يزداد كلما زاد التجمهر حولهم مما يعني أنهم مستمرون بفعل الأسوأ كلما توقع محيطهم الذي يلائمهم ذلك. بعد أن نشقى على تربية أبنائنا كيف لنا أن نطمئن بخروجهم إلى هذا العالم الذي ربما يفوق قدراتنا في التأثير، فلا بد من حزم أمني لمحاربة هذه الظاهرة وتجريمها والإبلاغ عنها، بمقابل خلق البدائل النافعة لتصحيح مفاهيم الشباب وتعويض نقصهم والعمل على تشكيل سلوك اجتماعي جديد توظف فيه طاقاتهم وتوجههم لبناء أنفسهم ومجتمعهم. [email protected]