مساء الثلاثاء قرأنا في مواقع التواصل خبرا مهما وجميلا ومبهجا لكنه للأسف لم يحظ بالاهتمام اللائق الذي يستحقه إلا من المهتمين بموضوعه لأنه خبر ثقافي، والثقافة أنتم أدرى بحالها ومدى الاهتمام بها، ومع أنه يتجاوز الشخصي إلى الوطني، بل وإلى الوطني الأشمل على مستوى الوطن العربي، الخبر هو اختيار الدكتور معجب الزهراني مديرا لمعهد العالم العربي في باريس، واجهة الثقافة العربية في فرنسا وجسر العلاقات الثقافية بينها وبين العالم العربي الذي تم إنشاؤه عام 1980 بالاتفاق بين فرنسا و18 دولة عربية منها المملكة، وتعاقبت على إدارته شخصيات بارزة مثل جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي السابق وغيره. قبل خمس سنوات تقريبا أتيحت لي مع مجموعة من الزملاء الكتاب والإعلاميين زيارة المعهد ضمن برنامج زيارة لفرنسا بدعوة من الملحقية الثقافية، وبعد خروجنا من ذلك المبنى المطل على النهر والذي تلوح منه كنيسة نوتردام عرفت الدور المهم المناط بالمعهد في تعميق فهم حضارة العالم العربي وثقافته وتوثيق العلاقات الثقافية العربية مع فرنسا ومن خلالها توطيد بقية أشكال العلاقات الأخرى. إنه مؤسسة ضخمة قد لا يعكس مسماها كمعهد مدى أهميتها وحجم مسؤولياتها ونشاطاتها. اختيار الدكتور معجب الزهراني لإدارته لا يمكن أن يكون مجاملة له أو للمملكة لأن ذلك غير وارد في مؤسسة عالمية محترمة كهذا المعهد، وإنما لأنه يستحق الاختيار فهو الأكاديمي المتمكن والباحث المثابر والأديب والناقد والحاضر في المشهد الثقافي داخليا وخارجيا منذ وقت بعيد، والأهم من ذلك أنه نتاج الثقافتين العربية والفرنسية، فهو الحائز على أعلى الدرجات العلمية من جامعتها الأشهر «السوربون» التي أصبح بعد ذلك أستاذا زائرا فيها كغيره من عمالقة أساتذتها، بالإضافة إلى معرفته العميقة بطبيعة وتكوين المجتمع الفرنسي وعلاقاته الواسعة مع وسطه الثقافي. ولذلك فإن اختياره يأتي لتوفر كل الشروط فيه لإدارة صرح ضخم كهذا وتميزه عن بقية المرشحين والمنافسين. لطالما طالبنا بضرورة تقديم وتسويق وخدمة مكوننا الثقافي الذي تمثله رموز عديدة غير معجب الزهراني، ولطالما أكدنا على استثمار قوتنا الناعمة المتمثلة في الآداب والفنون والثقافة لتغيير الصورة النمطية السلبية عنا، لكن ذلك لم يحدث بالشكل الذي نرجوه، ولعل اختيار الدكتور معجب الزهراني لهذا الموقع المرموق يمثل بداية المعرفة بأن الثقافة تخدم أوطانها أكثر من أي جانب آخر. مبروك للدكتور معجب وللوطن هذا الاختيار.