دنت الشمس من أفولها اليومي. دلف معيض من سدة الباب وثوبه مغروز في دكة سرواله. في محيط عقاله بعيثران وعطرة قطفها من قف البير وهو رايح. ناول معيضة البعيثران لتضيفه على اللبن. أوصاها أن تعجل بتجهيز عشاه حتى يعود من صلاة المغرب. سألته: ما شي خلاف؟ وراك تستعجل عشاك على غير عادة. أجابها: وعدنا أبو سالم نغدي نسمر ونتهرج معهم الليلة. ردّت: أبشر بالسعد. عاد من المسيد وسفرة الخوص مبسوطة وعليها خبزة حنطة وطاسة معرّق وغضارة لبن وزبدية سمن. تخفس الشيبة. وشاركته أسرته في الأكل من منتوج بلادهم وحلالهم. مسح بقية السمن العالق بكفيه في لحيته البيضاء. طلب من الابن البكر أن يمسح زجاجة الإتريك ويلمعها. وأكد عليه: انتبه لا تكث الفتيلة ثم أكث خشمك خلنا في مقعد سعة. وطلب من الزوجة أن تحمل معها طبخة قهوة (قبضة اليد من البن) وقطعة زنجبيل وحبات هيل. حمل الابن الإتريك وانطلق تقاطرت العائلة بأكملها في المسراب الطويل. كان الصغير آخرهم متشبثا بثوب أمه كون فترة ما بعد المغرب مظنة خروج الشياطين. القرية هادئة ولا صوت في الطرقات عدا صوت الشيبة يحذر حامل الإتريك :خلّ عنك الرجّة. لا يطيح وتشوف علما ما يرضيك . خرج أبو سالم فوق الجناح مرحبا. استقبلتهم أم سالم. حلّت معيضة عقدة في طرف شرشفها ووضعت البن والحوائج في كف أم سالم. حمصت البن ثم وضعته في إناء للتبريد. توزع الصغار في داخل البيت وخارجه البعض يلعب (حدارجي مدارجي صك الغراب من أخت تيه إلى أخت تيه. قلّز بتيه يا راعيها). و(من إيده فوق). وبعضهم متحلق حول الإتريك لترصد الفراشات. فيما البنات يتساررن في طرف الشقيق. دق المهراس ووضعت القهوة في شربة كبيرة محكمة فوق الجمر.تغلي فتفوح رائحة فاتنة تملأ فضاء المكان والسوالف تجر بعضها. القرية عائلة واحدة. الرجال والنساء يتبادلون الأحاديث ويتداولون الحوار. قبل أن تأتي الصحوة فتفسد طعم ورائحة قهوتنا. وتشتت الشمل. وتزرع العداوة والبغضاء. وتفرض الزي التنكري بداعي الأسلمة. علمي وسلامتكم.