عندما يأتلق العيد.. تتحد القلوب في لهفة واحدة وتنحني كل الأحزان مفارقة المُقل والمحجر.. لتعانق الأغاريد البيوت والدروب.. وتنطلق بنشوةٍ من الأفواه لتطّرز السماء وتسقط وشلاّ هانئًا على القلوب الصائمة والشفاه اللاهجة بذكر الله والجباه الخاشعة المتذللة. وفي ظل ذلك الألق البهيّ.. يحّن الحاضر إلى الماضي دون رتوش فنتذكر عادات الماضي وتقاليده وحُلله النيّرة و(البعيثران) إحدى تلك الحلل التي تباهوا بها في الماضي ولا يزال لها في الحاضر رونق وسجال بين رفوف المنازل والمفارش والآرائك.. سّجال من الرائحة الذكية الذي لا ينتهي. والبعيثران نبات شجيري معمر تكسوه شعيرات صوفية كثيرة ذات لون رمادي يتراوح طول النبات بين 30 - 75 سم الأوراق السفلية مزدحمة ومفصصة أما الأوراق العلوية فصغيرة ومتجمعة وأقل تفصصًا. ونبات البعيثران عطري فواح ذو رائحة قوية، وإذا جاء المطر وحركته الرياح فإن المكان يفوح برائحته الجميلة. يستعمل البعيثران للزينة عند النساء ويدخل مع الكادي والريحان والشيح ويستعمل أيضا كحُلية عند النساء الشاعرات فيضعنه عصابة على الرأس لمقدارها ومقامها بين النسوة، كما يوضع البعيثران في المخدات وعلى الفرش وينثر في المجالس ومواقع المناسبات ويستعمله الرجال في أوضاع مختلفة. والعيد والبعيثران يشكّلان علاقة أزلية لا تنتهي. ومحافظة الداير بني مالك من أشد المناطق في سعوديتنا المتعلقة بشجرة البعيثران في الأعياد، خاصة حيث يُحتفى احتفاء كبيرا مع بقية الأشجار العطرية.. ويعتبر صديقًا مصدوقًا لكل أفراد العائلة والصاحب الذي لا يغيب البتة عن كثير من المناسبات الكريمة في الزمن الجميل فجماليات العيد كانت في الماضي تكتمل مع البعيثران والكادي والخزامى والفُلّ، والآن بعد يضمحل ذلك البعيثران وكسرت العطورات الأوربية والأمريكية شوكته ولم يعد له ذكر سوى تنصيب للتقاليد والعادات. فمتى يعود زمن البعيثران مختالا في البيوت والدور رفيقا للأفراح والمناسبات.. هل يعود أم أن عطور باريس قضت عليه ولم يعد له قائمة إلا وقوفًا والتداعي مع ذلك الوقوف حمد جويبر - جدة