قبل سنوات قليلة أعفى وزير الصحة «المكلف» المهندس عادل فقيه عددا من قيادات وزارته في جدة وبضع مدن سعودية أخرى، إثر الغضب الشعبي والحكومي من تفشي مرض كورونا، بسبب عدم جهوزية القيادات الإدارية والطبية، وإهمالها وفشلها الواضح في تطبيق البروتوكولات الطبية البسيطة، الأمر الذي أصاب الجسم الطبي نفسه، إضافة للمرضى المنومين والزائرين. ومن أشهر قليلة قام خالد الفالح الوزير السابق للصحة بإعفاء عدد من مديري وقيادات صحة جازان، بعد حريق ثبت أن المستشفى الذي شهد الكارثة غير مطابق للاستخدام الصحي، وهو ما تسبب في فداحة الكارثة الإنسانية. لم يجف حبر تلك الإعفاءات، حتى قام وزير الصحة الحالي توفيق الربيعة منذ يومين بوجبة من إعفاءات جديدة طالت قيادات في صحة جدة، بعد صدمة الوزير من أداء موظفيه خلال زيارة عابرة، اكتشف فيها أن ما فعله سابقوه لم يفد في إصلاح الوزارة العتيدة. أستطيع أن أؤكد مسبقا أن الوزير الحالي سيأتي في زيارته القادمة، وسيجد أن ما عاقبهم عليه لم ينته بل ربما استفحل واستجد خلل آخر، موضة الإعفاءات تلك لم تثمر عن شيء في ما يبدو، فعلها وزراء الصحة وبضعة وزراء آخرين في وزاراتهم، وبقيت الأمور كما هي، بل إن بعض المرض الإداري العضال استفحل وما عاد يخيفه شيء. يعتقد بعض الوزراء أن إزاحة قيادات من مسؤولياتها، سيقضي على الخلل الذي تسببوا فيه، من المهم معرفة أن المسؤولين المعفيين حاولوا إخفاء كل إخفاقاتهم، وأن ما ظهر للوزير، ليس سوى رأس جبل الجليد المتعفن والمختبئ تحت السطح. السؤال هل أدت تلك الإعفاءات «الإعلامية» لحلول إدارية، التجارب تقول إن الإعفاء مهما كانت قسوته، إذا لم تتبعه تغييرات عميقة في المنظمة نفسها، سيبقى مجرد إجراء مؤقت ينقل النار من يد إلى أخرى، مع التذكير دائما أن السيف الذي يكثر إشهاره تذهب هيبته. الأداء الفاشل والإهمال واللا مبالاة في الجهاز الإداري الحكومي واضحة، وبعضه غير كفؤ وغير قادر على استيعاب التحديات الاقتصادية القادمة، كما ثبت فشله في إنتاج تنمية جيدة في زمن الرخاء الاقتصادي. فقط جولة بسيطة في حارتنا ومدارسنا ومستشفياتنا ومطاراتنا، تؤكد أن بعضهم لم يكونوا في حجم المسؤولية، ولا المعرفة والدراية والرؤية التي تؤهلهم لبناء تنمية حقيقية، يستمتع ويعيش فيها المواطن. فكيف للوزير الجديد أن يعمل، وهو يواجه وكلاء وزارة ومديري عموم استوطنوا في الوزارة لثلاثين عاما وأكثر، وهل له أن يتحرك وسط منظومة معقدة، تحولت بسبب البيروقراطية الشديدة إلى مزارع خاصة، بنوا خلالها الولاءات والأساليب التي لا يمكن له أن يتعقبها أو يقف في وجهها. أي من تلك المبادرات ستبقى حلولا موضعية، ولن تختفي الممانعات والإهمال في الإدارات الحكومية، ما لم يكن من صلاحية الوزير الفصل المباشر، صحيح أنه قد ينتج بعض التعسف في استخدام السلطة، لكن القانون الحازم العادل قادر على أن يوازن ذلك.