لم تكن الأزمة السورية هي الأزمة الأخيرة التي تكون إسفنجة تمتص المغرر بهم من شبابنا من قبل المحرضين، فقبل سورية كان هناك العراق وكان هناك البوسنة والهرسك إلى بقية مناطق الصراع المسلح التي زج بها المحرضون شبابنا فتفرقت أقدارهم في تلك البقاع التي كانوا لا يعلمون عنها شيئا لولا أن سمعوا محرضاً من على منبر الجمعة أو في محاضرة أو عبر برنامج تليفزيوني يجهش بالبكاء ويحثهم على الإثخان في عدو الله وعدو الأمة في تلك البقعة وفي تلك الأزمة السياسية التي لا ناقة لذلك الشاب بها ولا جمل، فحمل بندقيته ويمم إلى تلك الديار كما أوصاه ذلك المحرض، وما أن وصل هناك حتى تكشفت له خيوط المؤامرة وأيقن أنه كان ضحية محرض كاذب استغل سذاجته وطيشه وقذف به في مهاوي الرجا، فمنهم من حزم أشياءه وعاد إلى دياره راضيا بأن يكون عرضة للعقوبة التي قطعا ستكون أرأف به من أن يعيش بين أولئك الغزاة التكفيريين، وآخرون من الشباب المغرر بهم عادوا بعاهة مستديمة وبكرسي متحرك سيكون رفيقا لهم إلى مماتهم، أما البقية فقد تلقفتهم جماعات الغلو والتكفير فأصبحوا بيدقا بأيديها وسهاما يشحذونها لتكون جاهزة بأن يغرزوها في خاصرة وطنهم الذي درجوا بين أحضانه وترعرعوا بين أزقة أحيائه ومدنه ودرسوا في مدارسه وجامعاته. هؤلاء المحرضون لا تحركهم عواطف حقيقية نحو القضايا السياسية في مناطق الصراعات المسلحة بدليل أن أمنوا لأولادهم مكانا رفيعا في أرقى جامعات الأرض، حيث الخضرة والوجه الحسن، ولكن الذي يهمهم بالدرجة الأولى توفير خزان بشري لإنزال الجماعات الإرهابية المسلحة بالكوادر البشرية الشابة لتعوض ما افتقدته تلك الجماعات من كوادرها في المواجهات المسلحة التي قامت بها الأجهزة الأمنية لمواجهة الإرهاب في شتى الدول، بما فيها المملكة العربية السعودية. لذا نجد أن كل من قام بالعمليات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة وبعد نشأة المنظمة الإرهابية المسماة بداعش أنهم كانوا أربابا لتلك الجماعات التي غسلت أدمغتهم ولقنوا بعقيدة التكفير وإقامة ما يسمونها بالخلافة الإسلامية على أنقاض هذه الدولة، فهذا هو الهدف المشترك بين تلك الجماعات والمحرضين الذين يأكلون طعامهم بيننا ويمشون في الأسواق والذين تزج بهم مواقع التواصل الاجتماعي يحرضون وينشرون أدبيات العنف والتطرف والهدف دائما خلق القنابل البشرية الموقوتة التي يوما قد تنفجر في مؤسسة أمنية أو في تجمعات بشرية ثم ما يلبثوا أن يخرجوا هؤلاء المحرضين بخطاب السلم والسلام منددين بهذا العنف والإرهاب الأسود، وكما قال المثل الشعبي (يبكي مع الراعي ويأكل مع الذيب).