رغم أنه مضى على صدورها أكثر من ستة عشر عاما إلا أن رواية «الفردوس اليباب» للروائية ليلى الجهني تمثل أهمية خاصة وقيمة إبداعية لها دلالاتها المتعددة وليس لأنها فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، بل لأنها شكلت صدمة للمشهد الثقافي من جهة والمجتمع المحافظ من جهة أخرى خصوصا في تلك الفترة .. الشاعر والناقد حامد بن عقيل قدم دراسة نقدية متكاملة عن هذه الرواية بكتابه (فقه الفوضى) الصادر عن دار شرقيات بالقاهرة عام 2005م ويذكر في كتابه: أن هذه الرواية يمكن التنبؤ بنهاية حكايتها من صفحتها الأولى حيث «إنها تنتهي أحداثها من أول صفحة»، إلا أنها شدته كي يستنطق النص على حد ما ذكر. «فهي تمد جسور الثقة بينها وبين قارئها، بل تدعوه للعمل معها على استنطاق الرواية»، وذلك لأن ليلى الجهني استطاعت طرح فكرتها البسيطة من بوابة بأسلوب سلس وتماهت الشخوص الروائية (صبا، خالدة، عامر) مع المدينة الأم (جدة) والثقافة الاجتماعية السائدة (العادات والتقاليد) والغريزة الإنسانية (العاطفة)، وقد وجد فيها ابن عقيل تربة خصبة لينطلق من خلالها لنظريته الأم، في المجتمع المحلي ويرى الناقد حامد بن عقيل أن مضمون الرواية صفعة للمثقفين والثقافة الرسمية التي تعلي من شأن الأعمال التجميلية التي يستفاد منها، لإظهار مدى ما وصل إليه الشعب من رقي، كما اعتبرها صفعة لبعض الروائيين والروائيات الذين أهدروا الأدب في مطولات لا تصلح أن تكون سوى تسلية خلال ليل الشتاء الطويل، واعتبرها أيضا صفعة للمجتمع المفتون - على حد قوله - «بفكرة النقاء الخالص» والمثالية التي لا يمكن أن تكتب لأي حي.. تلك الرواية التي أحدثت جدلا حفزت الكاتبة على تقديم رواية أخرى سمتها «جاهلية» عن دار الآداب عام 2008م لم تبتعد عن الغوص في أعماق المجتمع وعلاقات الحب والزواج وكشف المستور. يقول عنها الروائي المعروف أحمد الدويحي: «لم تفاجئني ليلى في روايتها الثانية «جاهلية»، وهو تخطو من جديد نحو المشاعر السامية (الحب) بين البشر، فقد كسبت الخبرة الكتابية وجاءت اللغة رفيعة هنا – والتكنيك الروائي بارعا، لكن ما زال الصراع المعاش في واقع مجتمع، يحفل بالطبقية وأفكار القبيلة ومبادئ يرفضها المسلم الحق، والكاتبة تلج هذا العالم من جديد، فنكاد نلمس لب المشكلة تقول ليلى في «جاهلية»: «هل أخطأت عندما أحبت رجلا أسود؟ هل ارتكبت ذنبا في حق الله أو الناس؟ لقد أحبت إنسانا، أحبت قلبا من ذهب، ولم تنظر إلى اللون، لكن أخاها لم ينظر إلا إلى اللون، فعاقبها. قال لها أبوها: - إن الناس لن تنظر إلا إلى لونه وسيعاقبونك. وأنا لا أريد لك أن تتعذبي لم يدرِ أبوها أن أخاها سيكون أول من يعاقبها». ويضيف الروائي الدويحي: «هذا المقطع القصير المستل من رواية «جاهلية» يعبر عن جاهلية طبقية عنصرية مذهبية في مجتمعنا، وليلى ليست نشازا في تناولها هذا الواقع، الموغل في التشبث بالمفاهيم والقيم المجتمعية البالية، والمحاصرة للمرأة والرجل على حدٍ سواء». وتظل ليلى الجهني المولودة في تبوك عام 1969م والمتخصصة في اللغة الإنجليزية وآدابها مسكونة بعوالم السرد بلغته السهلة الخالية من التعقيد محققة الشرط الإبداعي للرواية بكافة تفاصيله ومازالت نفسها السردي يخبئ الكثير من العوالم القادمة.. لكننا سنتساءل أيضا: هل صفعت رواية «الفردوس اليباب» المجتمع وهل صفعت مجتمع المثقفين أيضا والثقافة الرسمية مثلما يقول حامد بن عقيل وما مدى تأثير تلك الصفعة ولماذا تعمد ابن عقيل استعمال مصطلح (صفعة) لماذا لم يقل صدمة مثل أي عمل أدبي صادم يصدر.. وعادة يستخدم تستخدم كلمة صفع في سياق العنف والتأديب وصفع الشخص: لطمه، والصّفع: الضرب على الخد بكف اليد مبسوطة، إنه أراد استعمال ذلك بحدة هو يقصدها رغم أننا نتفق ونختلف وحولها ولو استخدمها مثلا ضد الثقافة الرسمية والمثقفين فقط دون المجتمع لكانت مقبولة لكنه أراد ذلك للمجتمع وللمثقفين في رأي حاد.. ورغم هذا نرى أن مثل تلك الرواية أو غيرها شكلت بالفعل صدمة للمجتمع لأنها كشفت المستور.