سيتحدث التاريخ طويلا عن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحالية لمصر، باعتبارها أطول زيارة لملك سعودي تستغرق خمسة أيام. وسيتحدث التاريخ طويلا عن الحديث الباسم والحميمي بين الملك سلمان والرئيس عبدالفتاح السيسي بعد أن وطئت قدماه أرض مصر في مطار القاهرة الدولي، إذ كان في استقباله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. الحديث الباسم بين الملك سلمان والرئيس السيسي، أعاد للذاكرة قصة ارتباط الملك سلمان بمصر واستعداده للدفاع عنها، وحبه لمصر عبر تطوعه عسكريا للدفاع عن أرض الكنانة ضمن المقاومة الشعبية خلال تعرضها للعدوان الثلاثي عام 1956. حب الملك سلمان لمصر لم يكن وليد الحاضر فقط، بل يعود لستين عاما عندما ارتدى زيه العسكري بانتظار التعليمات العسكرية، للدفاع عن مصر خلال العدوان الثلاثي عام 1956. تلك الصور التاريخية لا تزال محفورة في أذهان 90 مليون مصري، إذ تجسد تلك الصورة حب الملك سلمان لمصر الأرض ومصر العروبة. ولقد أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي في حواره مع قناة العربية إلى مشاركة الملك سلمان مع المصريين في رد العدوان الثلاثي، حين قال: «عندما تعرضت مصر لعدوان (1956) كان الملك سلمان من المقاتلين». مصر اليوم لم تكن بعيدة عن السعودية والسعودية لم تكن بعيدة عن مصر، على رغم تباعد المسافات إلا أن التقارب والعلاقات كانت ولاتزال شديدة الخصوصية. زيارة الملك سلمان لن تزيد العلاقات السعودية المصرية قوة ورسوخا وازدهارا بل ستعمل على الحيلولة دون اتساع دائرة الأزمات، في ظل القدرات الكبيرة التي تتمتع بها المملكة ومصر على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، خصوصا أن العلاقات السعودية المصرية تعتبر نموذجا فريدا للعلاقات الأخوية والإقليمية والدولية وتتسم بالقوة والشمول والاستمرارية. القاهرة والرياض قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وهناك تطابق بين البلدين في السياسيات والإستراتيجيات يكاد يصل إلى حد التماثل في رؤيتهما للمشكلات والقضايا وأسلوب التعامل معها وفي معالجتهما للأزمات على المستوى العربي والدولي، يعكس الوعي بحقيقة المؤامرات التي تحيط بالأمة العربية ويغلق في الوقت ذاته الثقوب التي تحاول بعض القوى الإقليمية المغرضة للمملكة ومصر أن تصنعها في نسيج العلاقات المحصنة من أي ثقوب. زيارة الملك سلمان لمصر تأتي في ظروف صعبة مع تعرض المنطقة لتحديات كبيرة، تدخلات إيرانية وإرهاب داعش وأزمات في سورية والعراق وليبيا ولبنان. الأمر الذي يعكس أهمية التعاون والتنسيق بين مصر والسعودية بشأن مختلف الملفات الإقليمية، خصوصا «في مواجهة ما يتعرض له الأمن القومي العربي والخليجي من مخاطر إقليمية وخارجية». إن إرث العلاقة السعودية المصرية عريق، فالبلدان وقعا في نوفمبر الماضي اتفاقا لإنشاء مجلس تنسيق مشترك لتنفيذ «إعلان القاهرة» الذي صدر في ختام زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد إلى مصر في يوليو من العام الماضي، وينتظر التوقيع على الاتفاقات والمشاريع التي تتمخض عنها بحضور الملك السعودي في القاهرة. وتضمن نص «إعلان القاهرة» عددا من المحاور، بينها الاتفاق على تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة وتعزيز التعاون المشترك والاستثمار في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين.