السعوديون الذين يغادرون المملكة كلما سنحت لهم فرصة، ليسوا سوى طيور مهاجرة، تبحث عن بهجة مفقودة وابتسامة صغيرة، ولحظة فرح قليلة يشاركونها أبناءهم ذات يوم. ومع ذلك كله ففي السعودية بضع عشرات أخذوا على عاتقهم نشر شيئا من البهجة والفرح في نفوس الملايين من مواطنيهم، على الرغم من ندرتها والمخاطرات والصعاب والحروب التي واجهوها. على رأس صناع الفرح في حياة السعوديين، يأتي الفنان الكبير طلال مداح - رحمه الله - كصوت عبقري رقراق، استطاع ومازال عبر تراثه الموسيقي الفريد، وأغنياته ومواويله الباذخة، أن ينشر الحب والسلام، فهو الحاضر الغائب في كل تراتيب الموسيقى السعودية، ويبدو أنه سيبقى لزمن طويل، قبل أن يمنحنا مشهدنا المحلي هبة أخرى في مستواه الرفيع. أما الموسيقار طارق عبدالحكيم فهو ينبت في وجداننا صباح مساء مع تراتيل النشيد الوطني الذي لحنه وساهم في كتابة كلماته، كيف لا وهو وصاحب الألحان العبقرية، التي مضت به من بساتين الطائف إلى جبال لبنان والشام. وإذا كان للحياة مباهج باقية فمحمد عبده هو من تلك القلة القليلة، التي لا تزال تهمي علينا بجمالها وروحها، محمد عبده امتداد طبيعي لنهر من الفن السعودي العظيم، الذي جال فيه الفنانون محمد علي سندي وفوزي محسون وعبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وعلي عبدالكريم، وعتاب وتوحة وابتسام لطفي، وسراج عمر وعبده مزيد وعمر كدرس وغيرهم، ليكون هذا النهر أقرب البهجات لقلوب السعوديين. وفي التمثيل يبرز اسم سادة المنلوج السعودي الفنانون لطفي زيني، إضافة للدويتو «تحفة ومشقاص»، الذين اكتسحوا بقفشاتهم وبحضورهم وأسلوبهم الطريف نفوس الجماهير. وكما في الحجاز خرج من نجد فنانون رائعون في أداء المنلوج وتقليد الشخصيات، كان من أهمهم العبقري عبدالعزيز الهزاع، صاحب شخصية «أم حديجان»، التي حاكت حياة الناس بأسلوب بسيط وطريف، ملأت حياتهم ضحكات لا تزال عالقة في صدور جيله حتى الآن. وفي الطرف الآخر من الفنون لن ينسى السعوديون مسلسل «طاش ما طاش» الذي صنع منه ناصر القصبي وعبدالله السدحان حالة مدنية فريدة، خاتلت الظلام وشقت ستائره الكالحة، وليس على بعد منهما ممثلون آخرون قدموا لنا مساهمات جميلة، كبكر الشدي ومحمد العلي وسعد خضر وعبدالستار صبيحي ومحمد حمزة ومحمد بخش. وكما في الفن فقد تعلق السعوديون كثيرا بكرة القدم، فكان الأمير فيصل بن فهد – رحمه الله – أحد صناع البهجة الكبار بإنجازاته العبقرية، التي أدمعت السعوديين فرحا، وأخرجتهم للشوارع والميادين ابتهاجا، إثر وصول فريقهم الوطني لكأس العالم والأوليمبياد، وتحقق لهم الفوز بكأس آسيا أكثر من مرة، لقد أثر الأمير فيصل بما فعله في حياتهم كثيرا. وإذا ما جاءت كرة القدم تذكر السعوديون بحب وفرح لاعبين كبار، كسعيد غراب وأمين دابو وماجد عبدالله ويوسف الثنيان وأحمد صغير ومحمد عبدالجواد ومحمد نور، والتفتوا باتجاه الاتحاد والهلال والنصر والأهلي والاتفاق والقادسية والطائي والشباب والوحدة، إنها قلوب ضخمة زرعت الحياة في عيون جمهورها. ويأتي الوليد البراهيم صاحب قنوات إم بي سي، كأهم صناع البهجة والحبور في السعودية على الإطلاق، فقد استطاع هذا الشاب التاريخي بتلك الخطوة الجريئة في 18 سبتمبر 1991، أن يغير من حياة السعوديين، ويحيل بيوتهم إلى أماكن قابلة للحياة، وأن يشرع نوافذ للبهجة، بعد عقد ونصف من الاختناق بأدبيات «الغفوة» التي أطبقت عليهم وأخضعتهم لمشيئتها. إنها قليل من المباهج، لكنها كقطرات الماء التي استطاعت أن تبقي السعوديين على قيد الحياة في صحراء ما يسمى ب«الصحوة»، على الرغم من عنفها وقسوتها المتناهية، وقيودها الساحقة، وحربها على أي مظاهر للحب والفرح.