تغالب الأمهات أنفاسهن وهن يرين أبناءهن مقيدين في السلاسل في مجلس القضاء كأنداد لهن، نظراتهن تحمل الكثير من الأسى وتستعطف رحمة القاضي للصفح عنهم، علهم يعودون لرشدهم. في ردهات المحاكم ألف قصة وقصة عن عقوق الأبناء لأمهاتهم، وفي كل واحدة منها تبرز رحمة الأم وعطفها رغم ألمها من وقع النكران والعقوق، في وقت سجلت فيه دوائر القضاء تنازل 98% من الأمهات عن حقهن في قضايا العقوق. رحمة رغم العقوق القاضي السابق في وزارة العدل تركي القرني كشف تراجع 98% من الأمهات عن دعواهن ضد أبنائهن، وقال في هذا الصدد: «بمجرد الحكم بسجن الابن تبادر الأمهات بالتنازل عن أولادهن العاقين في موقف يعكس الرحمة والشفقة التي تملأ قلوبهن رغم ما يعانينه من ألم». وتابع: «عقوق الوالدين له أسباب عدة، منها عدم استقرار الأسرة، وانفصال الزوجين في حالات كثيرة، وتعاطي المخدرات، أيضا الخلاف المالي رغم محدوديته إلا أنه يقع في مجتمعات ثرية للأسف وراقية، وأحيانا تضامنا مع أحد الوالدين». وأضاف: «المفارقة أن العقوق دائما ما يأتي من الأبناء الذكور، إذ نظرت عشرات القضايا المشابهة ولم أجد قضية واحدة لبنت تعق والديها». مضيفا: «لكن الله أيتها البنات». ونبه إلى أن بعض الآباء يستغل دعوى العقوق للأسف لابتزاز ابنه أو والدته في حال طلاقها، واصفا قضايا عقوق الأبناء بأنها من أشد القضايا عاطفة وأزحمها بالمشاعر، فحين يكون الابن مقيدا بحضرة والدته في مجلس الحكم تغالب الأم زفراتها في طلب السماح عنه على ألا يعود لضربها وشتمها. في القريب الماضي، أيدت محكمة الاستئناف حكما جديدا يقضي بسجن شاب عاق 18 شهرا وجلده 200 جلدة مفرقة على أربع فترات، كل فترة 50 جلدة، على أن لا يخرج الابن العاق من السجن حتى ترضى عنه والدته وتتنازل عن حقها الخاص، إذ بات الحكم نهائيا واجب النفاذ فيما بدأ تنفيذ الجلد في العاق هذا الأسبوع طبقا لصك الحكم (تحتفظ الصحيفة بصورة منه). المحكمة الجزائية نظرت القضية وأدانت الشاب بعقوق والدته وضربها وتكسير أثاث منزلها ورأت أن في سجنه استصلاحا لحاله، فيما أنكر العاق التهمة لكنه أقر بتكسير خزينة ثياب والدته في لحظة غضب منه، فما كان من المدعي العام سوى المطالبة بمعاقبة الشاب تعزيرا ردعا له وزجرا لغيره، كون ما أقدم عليه يعد فعلا محرما يعاقب عليه شرعا. دراسة الظاهرة الباحثة الاختصاصية نسرين أبوطاهر طالبت بدراسات علمية تشرح الواقع والوقوف على أبعاد الظاهرة ووضع خطط للحد من حالات العقوق، لاسيما أن مجتمعنا يعد من المجتمعات المحافظة. وقالت: «مظاهر العقوق تتنوع ما بين الإعراض والهجر والسب والشتم وتصل للضرب والاعتداء». عقوبات تقديرية المحامية نسرين الغامدي أشارت إلى أن المحكمة الجزائية تختص بالنظر في قضايا عقوق الوالدين وهي من القضايا الموجبة للتوقيف طبقا للنظام، فيما العقوبات الصادرة في هذه الجرائم تقديرية تعود للمحكمة وفقا للجريمة وظروفها.