صوت نواب البرلمان الفرنسي على مشروع تشديد القوانين المتصلة بمصنّعي الهواتف الذكية الذين يرفضون التعاون مع السلطات في مسألة محاربة الإرهاب. لماذا تم اللجوء لهذا القرار؟ أثبت تشفير البيانات في أجهزة الهواتف الذكية فشل رجال التحقيق الجنائي الرقمي في فك شفرتها، حيث تقف هذه المسألة أكبر عائق أمام رجال التحقيق الجنائي الرقمي والقضاة للحصول على الأدلة الرقمية المرتبطة بجرائم الإرهاب. خاصة أن الهواتف الذكية أصبحت منجم ذهب من المعلومات لرجال التحقيق الرقمي لاسترجاع المعلومات وتحليلها، والتي تساعد على التعرف على الجريمة ومنفذيها والمرتبطين بها. وحيث إننا نعيش في العصر الذهبي لحرب المعلومات، لذا يحتكر مصنعو الهواتف الذكية المعلومات الشخصية للمستخدمين. لذلك نشأ صراع شرس بين الحكومات للحصول على المعلومات المتعلقة بالإرهاب ومصنعي الهواتف الذين يختبئون خلف قانون الخصوصية حتى لا يسمحوا للحكومات بالحصول على هذه المعلومات. الفاصل بين القوتين هو قوة التشفير المستخدمة مثل AES 256 التي تعتبر من أسلوب التشفير المتناظر أي يستخدم مفتاح واحد لتشفير وفك التشفير، لذلك الوصول إلى المعلومات إما عن طريق الرقم السري للمستخدم أو الشركات المصنعة، هذه الخاصية سمحت للشركات باحتكار معلومات الأشخاص وبيعها على سبيل المثال لشركات الدعايات. وفي الجانب الآخر استفاد المجرمون والإرهابيون من هذه الخاصية في الوقت الحالي لتحويل الجوال أداة لارتكاب الجريمة، أو مصدرا آمنا لتخزين المعلومات المرتبطة بالإرهاب، لذلك قد يتحول الجهاز إلى مسرح جريمة إلكتروني كمراسلات بين الإرهابيين عن مخطط لتفجير موقع معين يصعب الوصول إليه. الغرض من تشفير البيانات هو حماية معلومات المستخدم من الآخرين ما يصعب عمل المحققين في التعامل مع الهواتف الذكية. فعلى سبيل المثال جهاز «الآيفون» الذي وصفه رئيس مباحث قسم شرطة شيكاغو «جون إيسكالانتي»، بأنه «الاختيار المفضل للمجرمين مستغلي الأطفال»، حيث لا يستطيع أي شخص أن يطلع على محتوى الجوال من صور وملفات ورسائل وقائمة الاتصالات، إلا عن طريق الحصول على الرقم السري. وقد قامت شركة آبل على سبيل المثال برفع مستوى الأمان في أجهزة الهواتف الذكية عن طريق: • خاصية اختيار الرقم السري لأكثر من 4 أرقام. وهذه تفعل خاصية تشفير البيانات واستحالة كسر التشفير إذا كان الرقم السري صعب التخمين. • خاصية مسح جميع المعلومات من الجهاز بعد تجربة عدد معين من رموز الدخول. هذه الخاصية تزيد نسبة المخاطر بفقدان المعلومات في حالة الخطأ في تخمين الرقم السري من قبل الجهات المختصة حيث سيقوم نظام التشغيل iOS بحذف جميع المعلومات من الجهاز وهنا تكمن استحالة استرجاع المعلومات. المشكلة الرئيسية في تشفير البيانات تكمن في عدم قدرة خبراء الأدلة الرقمية على استرجاع المعلومات من الجهاز حيث إن برامج (الطب الشرعي الرقمي) الأدلة الرقمية المتخصصة تقف عاجزة عن نسخ الجهاز واسترجاع المعلومات دون الرقم السري لأن البيانات مشفرة. ويكون الرقم السري الطريق الوحيد لفك تشفير البيانات والدخول إلى الجوال وهنا تستطيع برامج الأدلة الرقمية استرجاع جميع المعلومات المحذوفة وغير المحذوفة. ولحل هذه المشكلة اتجه القضاء في بعض الدول لفرض عقوبات على الشركات المصنعة والبعض فرض عقوبات على المستخدمين لإرغامهم على البوح بالرقم السري، واتجهت بعض الحكومات للضغط على الشركات للسماح لهم بالدخول إلى هذه الأجهزة عن طريق الباب الخلفي. تقرير الشفافية لشركة آبل لعام 2014 والنصف الأول من عام 2015 كشف أن المملكة لم تتقدم بطلب للحصول على معلومات مستخدمين من شركة أبل. ماذا لو كان جوال الرشيدي في مسرح الجريمة؟ إذا رجعنا بالذاكرة إلى العمل الإرهابي لقتل بدر الرشيدي وطرحنا افتراضات، ماذا لو كان جوال وائل الرشيدي الآيفون المشفر موجودا في مسرح الجريمة، وتم التحفظ عليه، كيف سيتم فك التشفير؟ ماذا لو هلك المطلوب أمنيا، هل تتلاشى المعلومات؟ ماذا لو كانت المملكة تستطيع الدخول من الباب الخلفي لجهاز الجوال؟ هل الشركات المصنعة كآبل وسامسونج وسوني توفر خدمة فك التشفير لأجهزتها للجهات المعنية في المملكة؟ المملكة تخوض حربا شرسة ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه علم التشفير يزداد تعقيدا والجماعات الإرهابية أصبحت تثقف مجرميها باستخدام طرق التشفير للجوال لحماية معلوماتهم الإرهابية. إضافة إلى انتشار الهاتف الذكي في المملكة كما ذكر استبيان موقع (Go-Gulf) الذي أوضح أن 72% من حاملي الأجهزة الذكية أعمارهم أقل من 34 عاما، وهذا يتوافق مع النسبة الكبرى من المرتبطين بجرائم الإرهاب الذين يندرجون في هذا العمر والدليل على ذلك أن خمسة من الستة المطلوبين بقضية قتل بدر الرشيدي ما بين 18-24 عاما. الضغط على الشركات المصنعة للسماح بالدخول إلى الأجهزة في حالة ارتباط الأشخاص بالإرهاب والجرائم المنظمة أصبح مطلبا لحماية أمننا الوطني، وخاصية الباب الخلفي تساعد بقوة في جمع المعلومات وتحليل العلاقات ومعرفة المخططات الإرهابية والأشخاص المتورطين، ما يساهم في السرعة والدقة في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. تحالف الدول الإسلامية ضد الإرهاب الذي تقوده المملكة يمكن هذه الدول من الضغط على الشركات المصنعة للدخول على الأجهزة كمصدر أساسي لجمع المعلومات والمساهمة في العمليات الاستباقية بعد أخذ الموافقة من الجهات المختصة، وهنا نحتاج إلى تغليب المصلحة العامة على الخاصة. كذلك الفرصة سانحة لتفعيل دور المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بالضغط على الشركات لتبادل المعلومات الإرهابية.