ما بين رعد في الشمال وبرق في الجنوب سطعت الثقافة في الوسط، وطن يحمل سيفا لحماية حدوده وفي اليد الأخرى يحمل كتابا، هكذا قدمت المملكة نفسها للعالم نهاية الأسبوع الماضي. حضرت جانبا من فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب بدعوة كريمة من وزارة الثقافة، وهو من المعارض الكبرى إن بحجم المساحة أو الكميات المباعة وأصبح مجال تنافس لكبريات دور النشر محليا وعالميا، تهت كثيرا بين عناوين كتبه وبين بواباته وطرقه التي أعادت للذاكرة مسميات عريقة وتاريخية لمدينة الرياض، فأحيت صدى السنين الحاكي. لعل أجمل ما سمعت في المعرض ما قالته باحثة يونانية في ندوة «الثقافتان اليونانية والعربية: أسئلة في التأثر والتأثير»، واليونان ضيف شرف المعرض، قالت مخاطبة الحضور «لولاكم لاختفت حضارتنا»، وكم كان بودي أن أعلق، لولا ضيق الوقت، أن الأمر لم يكن مجرد نقل وحفظ للحضارة اليونانية، وهو وحده جهد عظيم لا يقوم به إلا المحتفون بالحضارات المقدرين لقيمها، بل تمت إضافات عدة تم تبنيها وتطويرها في الحضارة الأوروبية الحديثة التي لم يكن ممكنا بناؤها لولا الجهود العربية الإسلامية، يكفي تذكر فكرة الصفر التي لم تعرفها حضارة اليونان القديمة، وإضافات ابن رشد وابن خلدون وابن سيناء وغيرهم كثير. حاولت ندوة أخرى بعنوان «منتديات القراءة»، القول إن المجتمع لا يقرأ وإنما يقتني الكتب لتزيين مكتبته، حاول آخرون الإيحاء بأن معظم زوار المعرض إنما يذهبون للتمشية والتسلية في مدينة لا تملك وسائل ترفيه كثيرة، وهو جدل يثار كل عام، وأقول ليكن ذلك لنسبة من زوار معارض الكتب، مع أن عدد الكتب المباعة ومنظر العربات المحملة بالكتب، ومناظر مستعرضي الكتب قبل شرائها لا يشي بذلك بل يدحضه. وقفت أشتري كتابا فإذا بشاب وشابة يناقشان الناشر في موضوع كتاب ينويان شراءه، لينتهيا بالقول إنه لا يضيف جديدا بل تجميعا لما سبق ونشرته الدار ذاتها، وامتنعا عن الشراء وسط ذهول الناشر. افتحوا نوافذ المعرفة واشرعوا أبواب العلم وحسب، دعوا أمة «اقرأ» تقرأ وستجدون العجب، حتى هذا الذي اشترى كتابا ليزين به مكتبته أفضل ممن يزينها بصورة لاعب كرة أو مطرب، وسيأتي اليوم الذي سيفتح فيه الكتاب ليقرأ، وليت معارض الكتب القادمة تولي عناية أكثر بوسائل النشر الإلكترونية المحببة للشباب، كنشر كتاب أو قصيدة في أقراص ذاكرة أو سيديهات مضغوطة، وقد لفتتني مبادرة «الكتاب الزاجل» لفريق «كتابي» التي تتيح تبادل الكتب، مرة أخرى أتيحوا المعرفة وستجدون العجب.