فاجأنا رئيس الائتلاف السوري الجديد أنس العبدة بحديث طغت عليه الصفة النقدية في إطار المراجعات التي عادة ما يلجأ إليها السياسيون في الأزمات والعثرات. العبدة أقر أن الائتلاف لم يكن بمستوى تضحيات الشعب السوري خلال السنوات الخمس الماضية. معتبرا أن هذا الأمر من أولويات رئاسته. كان حديث العبدة ل «عكاظ» شفافا، حين رد على بعض من يهمسون في الأروقة السورية من أنه «رجل الإخوان في الائتلاف»، مؤكدا أنه لم ينتم إلى أية أحزاب سوى حركة العدالة والبناء التي أسسها في الخارج العام 2006، إلا أنه قريب من كل التيارات السورية. وعشية انطلاق المشاورات بين وفدي المعارضة والنظام، أكد العبدة أن المعركة السياسية لا تختلف عن المعركة العسكرية وأن المعارضة لن تترك مقاعد جنيف ليستخدمها النظام في المراوغة والخداع على المجتمع الدولي.. فإلى تفاصيل الحوار: ● لكل رئيس ائتلاف أولويات وشعار «مرحلة».. ما هو شعار مرحلة أنس العبدة. ●● ثمة عنوانان رئيسيان لهذه المرحلة؛ الأول إعادة مفهوم الوطنية السورية القائمة على المصلحة السورية الوطنية وإسقاط كل الاعتبارات الطائفية والعرقية والحزبية، باعتبار أن هذا الأمر القاسم المشترك الأكبر للشعب السوري. فما حدث من مظاهرات شعبية وشعارات وطنية في الأسبوعين الماضيين في معظم المدن السورية يؤكد أن الشعب السوري مازال محافظا على ثورته الوطنية وليس الفئوية. «الناحية» السورية التي يجب أن نعمل على تعميقها هي الحل الوحيد للحالة السورية الآن وهي الضامن الوحيد لتماسك المجتمع والجغرافية، وهذا يقودنا بدوره إلى التواصل مع الحراك الثوري بالداخل. أما النقطة فهي التمثيل الفعال للثورة السورية، أي بمعنى يجب أن نقوم بعمل سياسي احترافي لتمثيل الثورة، وأقول بصراحة إن الائتلاف الوطني السوري ومن قبله المجلس الوطني لم يستطع ترجمة تضحيات الثورة السورية كما يجب أن يكون، فالمهمة الأساسية للائتلاف هي مهمة سياسية وما لم ينجح في هذه المهمة فلن ينجح في شيء آخر. ● البعض رأى أن الائتلاف انتهى دوره بعد تشكيل هيئة التفاوض.. فما هي العلاقة الآن بين الطرفين؟ ●● لايمكن القول أن الائتلاف وهيئة التفاوض هما طرفان، فالعلاقة بين الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض «تكاملية»، فمهمة الهيئة هي إدارة التفاوض وتشكيل الوفد المفاوض، ومرجعيتها هي الائتلاف والفصائل المسلحة وهيئة التنسيق، وأما القول بأن الهيئة بديل عن الائتلاف فهذا ليس دقيقا ولا تستطيع اتخاذ قرارات مصيرية من دون الرجوع إلى ثوابت مؤتمر الرياض. كما أن وفد التفاوض ليس هو من يقرر الأمر في جنيف ومرجعيته هي الهيئة العليا للتفاوض التي يجري العمل فيها بطريقة صحية وتوافقية. ● عادت مفاوضات جنيف 3 وموازين القوى ليست في صالح المعارضة، ويبدو أنكم ذاهبون وأنتم في حالة ضعف.. كيف تكسبون في هذه الجولة؟ ●● ربما فعلا موازين القوى على الأرض ليست في صالح المعارضة، لكن هناك ما هو أقوى من هذه الموازين وهي إرادة الشعب السوري والحق الذي يتسلح به الشعب السوري، وربما هذه المفاهيم لا تروق للبعض لكن بفضل إرادة هذا الشعب استمرت الثورة حتى الآن، ويمكنك أن ترى بعد خمس سنوات من القتل والتشريد الذي وصل إلى حدود أوروبا مازال المتظاهرون يتظاهرون وسط المدن المدمرة يرفعون الشعارات التي خرجوا بها منذ اليوم الأول للثورة، وهذا يدعوني للقول إلى أن ميزان القوة العسكرية على الأرض ليس هو العامل الوحيد في حسم المعركة مع النظام ومن ورائه إيران وروسيا. ● هل تتوقعون جني الثمار من الذهاب إلى جنيف3؟ ●● في كل الأحوال؛ لا بد من الذهاب إلى جنيف فهي معركة سياسية لا تقل وطأة عن المعركة العسكرية على الأرض، فهذان مساران متلازمان سياسيا وعسكريا، ولا بد أن نكون حيث تكون مصلحة الشعب السوري، البعض لا يرى أن الذهاب مجديا، لكنني أقول إنه من المهم جدا ألا تسمح للخصم أن يأخذ موقعك لا من الناحية العسكرية ولا من الناحية السياسية وهذا أحد أهم أسباب الذهاب إلى جنيف3. ● ما هي ثوابت التفاوض في جنيف؟ ●● استمرار بقاء بشار الأسد خط أحمر بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة، هذا أول الثوابت بالإضافة إلى وحدة سورية أرضا وشعبا، وكذلك إقامة الدولة المدنية الديمقراطية لكل السوريين. المعارضة في جنيف قوية بشعبها وبالتضحيات التي قدمها الشعب السوري، كما أن الفصائل القوية والفاعلة على الأرض فوضت الهيئة بالتفاوض ما يعزز وجودها أمام النظام. ● حين تسلمت رئاسة الائتلاف؛ قال البعض إن الإخوان سيطروا على الائتلاف باعتبارك مقرباً من الإخوان والبعض قال إنك «إخواني»؟ ●● لم انتسب في حياتي إلى أي حزب أو جماعة سواء الأخوان أو غيرهم من الأحزاب والجماعات، أنا شخص بطبيعتي بعيد عن الحزبية، وأول تنظيم (إن صح التعبير) عملت في إطاره هو حركة العدالة والبناء التي تم تأسيسها مع مجموعة من الناشطين والمعارضين السوريين في لندن في العام 2006 وكنت بناء على ذلك رئيس إعلان دمشق في المهجر. كان عملنا في «العدالة والبناء» إيجابيا مع كل التيارات السورية . وكنت بحكم رئاستي لإعلان دمشق في المهجر على مسافة قريبة من كل التيارات السورية سواء كانت (ليبرالية- يسارية- إسلامية..).. وأريد أن أصل بك إلى الجواب بشكل مباشر، «لم أكن يوما من الأيام إخوانيا»، وكوني من بيئة وخلفية محافظة فهذا مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لي ولا يعيبني. ● ما هو موقفكم من جبهة النصرة؟ ●● الموقف واضح ومعروف من جبهة النصرة وليس مخفيا، ونحن نقول «مالم تعلن جبهة النصرة فك ارتباطها بالقاعدة»فلن تكون إلا منظمة إرهابية، وحين يتحقق هذا الأمر سيكون ذلك أكبر انتصار للشعب السوري، إذ لا يمكن القبول بفصيل يقاتل على الأرض السورية وهو يتلقى أوامره من تنظيم خارج الحدود السورية وهو تنظيم القاعدة.. ثورتنا يجب أن تكون سورية محضة. ونحن دعونا النصرة إلى فك الارتباط مع تنظيم القاعدة خصوصا وأن هناك العديد من المقاتلين السوريين ينتمون إلى جبهة النصرة، وإن لم تفك ارتباطها فهي لا تختلف عن داعش. ● هل تواصلتم معها وأوصلتم رسائلكم بفك «الارتباط»؟ ●● بالطبع ليس هناك من تواصل مع جبهة النصرة، لكن موقفنا معلن ومعروف لديهم.. الثورة السورية خرجت من أجل إسقاط نظام بشار الأسد وعودة سورية للسوريين، ولن نقبل باختطاف هذه الثورة لأيديولوجيات خارجية لا تمثل تطلعات الشعب السوري. ● تقسيم سورية بات حديثا دارجا وبقوة.. ما هو موقفكم منه؟ ●● لم تكن الثورة من أجل التقسيم ولا الاقتتال ولا الطائفية، كل هذه الأمور يسعى نظام الأسد لتخويف السوريين بقية الدول بها، لكن أكرر وأقول أن الشعب السوري أكثر وعيا من كل هذه المشاريع. أؤكد لك أن الشعب السوري يرفض بشكل قاطع فكرة التقسيم، إلا أنه يؤيد اللامركزية الإدارية ضد الفدرالية.