تعرفت إلى المثقف المصري الماركسي أمير إسكندر في منتصف الثمانينيات الميلادية، تعرفت إليه في مكتبة كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكنت في أول عامي الدراسي في قسم الإعلام الذي كان في سنوات نشأته الأولى يتبع تلك الكلية. هذا التعرف حصل حين وقعت على كتاب له ضمن القسم المخصص للكتب الفلسفية والفكرية، اسمه (تناقضات في الفكر المعاصر). شدني عنوانه وشدتني العناوين التي تضمنتها صفحة محتوياته، فشرعت في قراءته، وأتممتها في غضون أسابيع وأذكر أني - بعد أن أتممت قراءته - عاودت القراءة فيه، مرة تلو مرة. لأنه كان قد أعجبني كثيرا، مع أني لم أكن مستوعبا الموضوع الذي يعالجه، ولما جاء فيه بالقدر المطلوب. في الوقت الذي تعرفت فيه إلى أمير إسكندر مباشرة من خلال قراءتي لذلك الكتاب، كان اسمه يتردد عند المثقفين بوصفه حالة صارخة من حالات بيع المثقف لنفسه مقابل سعر مغر. وكان اسمه يرد في سياق التنديد بتناقضات بعض المثقفين العرب وانتهازيتهم وعمالتهم ورخصهم. فلقد ألّف كتابا عن صدام حسين، كان عنوانه (صدام حسين، مناضلا ومفكرا وإنسانا)، نشرته دار (هاشيت) الفرنسية بلغات ثلاث، وهي: الفرنسية والإنجليزية والعربية. كان قد حشاه بالمبالغات والأباطيل والأكاذيب، ليجعل من صدام حسين بطلا أسطوريا وعقلا خارقا وإنسانا كاملا. أمير اسكندر - الذي هو مثقف ومترجم وناقد في مجالي المسرح والفكر، وصحفي يعمل محررا ثقافيا في جريدة (الأخبار) وقبلها في جريدة (المساء)، كان معارضا - بحكم ماركسيته - للأنظمة السياسية العربية القومية. وفي ذلك الكتاب انقلب على مواقف في تاريخه النضالي الشخصي وتاريخ حزبه وتاريخ الحزب الشيوعي في العراق وفي سوريا، وأدان المواقف التي اتخذها الحزب الشيوعي في العراق في صراعاته مع حزب البعث مع عبدالناصر ومع القوميين الوحدويين. وكان أمير إسكندر قد أعتقل لسنوات مع رفاقه الشيوعيين في عهد عبدالناصر في سنوات الصراع ما بين الأخير وعبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي في العراق.. وتعرض هو ومجموعة كبيرة من الصحفيين والكتاب - أغلبهم يساريون - في عهد السادات للفصل من وظائفهم في الصحافة. كان أمير إسكندر من بين الصحفيين والمثقفين الذين هاجروا إلى العراق، وقد عمل في صحافتها لسنوات. وحين أراد أن يعد أطروحته للدكتوراه في باريس وفرت له الحكومة العراقية الإمكانيات اللازمة لذلك، وكان منها تعيينه مراسلا صحافيا للصحف العراقية من هذه المدينة ونشرت كتاباته في المجلات اللبنانية المهاجرة إلى باريس والممولة من العراق. ومن هذه المدينة أصدر كتابه عن صدام حسين الذي فاجأ به رفاقه الشيوعيين وفاجأ قارئه في المجلات العربية الأسبوعية والثقافية الشهرية الذي كان يلمس في توجهه الرصانة والموضوعية والشفافية والصدق. وفي باريس أنشأ مجلة ثقافية سنة 1985، بتمويل من الحكومة العراقية هي (المنار). وحين عاد إلى بلاده مصر، نقل مقرها إلى القاهرة. بعد مضي أكثر من عقد على قراءتي لكتابه (تناقضات في الفكر المعاصر)، رأيت كتابه (صراع اليمين واليسار في الثقافة المصرية) في مكتبة بالقاهرة، ولفرط أعجابي القديم بكتابه الذي تعرفت عليه من خلاله، سارعت بشرائه من دون أن أطالع محتويات الكتاب. لفت نظري في الكتاب الأخير الذي اشتريته «حدوته» رواها فيه إلى حد أنها ثبتت في ذاكرتي مذ قرأتها. هذه «الحدوته» رواها في بدء إحدى مقالات الكتاب. وكانت «الحدوته» ساخرة وتهكمية ومشينة أخلاقيا بحق طرفين فيها، أحدهما لمنصبه مقام كبير في العالم الإسلامي. فلقد صورتهما «الحدوته» بأنهما من غير اتفاق اشتركا في عملية نصب واحتيال وسرقة علمية. ولأن أي تلخيص ل«الحدوته» سيفسدها، فسأوردها كاملة على لسان صاحبها. ويجيز إيرادها كاملة أن الكتاب الذي وردت فيه هو غير معروف عند كثير من المثقفين والقراء السعوديين. وأن «الحدوته» هي ذائعة عند الصحافيين والمثقفين السعوديين. فإليكم «الحدوته» كما رواها أمير إسكندر. «طار المحرر العلمي لإحدى الصحف في القاهرية فرحا ! فلقد جاءه مندوب جريدة (عكاظ) السعودية يطلب إليه أن يكتب لجريدته سلسلة من المقالات عن (الإسلام والعلم)، بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم !... لم يكن يصدق أذنيه. ذلك لأن مندوب الجريدة السعودية يعرف اتجاهه الفكري القديم. فهو منذ إثني عشر عاما خرج من السجن، بعد أن قضى فيه أكثر من ثماني سنوات بتهمة الشيوعية ! فهل يمكن لمثله أن يكون مطلوبا في صحيفة، تصدر في المملكة العربية السعودية؟ ومع ذلك فالعرض صحيح. وأكثر من ذلك فإن ثمن مقالاته سوف يدفع بالتي هي أحسن... والدولارات دائما هي التي أحسن ! أغلق على نفسه الباب في بيته سبعة أيام. وفي اليوم الثامن قابل مندوب الجريدة السعودية، وأعطاه خمس مقالات كاملة على الفور بعث بها المندوب إلى جريدته. وانتظر بضعة أيام حتى يأتيه الشيك بالعملات الصعبة. ومرت ثلاثة أيام. وظهر المقال الأول في الجريدة، في غرة رمضان المعظم، ولكن بدلا من أن يكون موقعا باسم المحرر العلمي للجريدة، كان ممهورا بتوقيع فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر، الدكتور عبدالحليم محمود ! وكاد مندوب الجريدة أن يقع مغشيا عليه، فلا بد أن في الأمر خطأ. ولكنه من نوع الأخطاء القاتلة ! وسارع بإرسال برقية إلى جريدته، يصحح الخطأ، ويعتذر عنه للقراء. ولكنه فوجئ بالمقالة الثانية يتصدرها اسم الإمام الأكبر ! بعث برقية ثانية. ثالثة. رابعة. واحتفظ بإيصالاتها جميعا في جيبه، حتى يؤمن موقفه، عند اكتشاف الأمر. ولعن مصلحة البرق، ووزارة المواصلات، والبيروقراطية، والتخلف، وفساد أجهزة الاتصال في مصر والسعودية والوطن العربي كله ! وكلما سأله كاتب المقالات عن النقود التي ينتظرها اعتذر له بأنها لم تصل، وأن المقالات سوف تنشر قريبا، وخلال الشهر نفسه، وأن نقوده سوف تصل قبل حلول العيد المبارك ! وفجأة جاءته برقية من جريدته، تحمل أمرا بصرف الدولارات لفضيلة الدكتور عبدالحليم محمود !... وكاد يصعق ! فكيف يصرون على الخطأ إلى هذا الحد الغريب المذهل؟ فقرر الاتصال تلفونيا بالمسؤولين في جريدته كي يوضح لهم الأمر. وكانت المفاجأة الأكبر أن كل برقياته وصلت. وأنهم يعلمون. ولكنهم فضلوا أن تكون المقالات من تأليف فضيلة شيخ الجامع الأزهر ! فكيف إذن يمكن لفضيلة الإمام أن يقبل نقودا ثمنا لمقالات لم يكتبها؟ قالوا له: قدم له الشيك. ليس هذا من شأنك !... ما أثقل هذه المهمة. وما أحرجها ! دخل على مدير مكتبه. وطلب مقابلة الدكتور عبدالحليم محمود لأمر يتعلق بتسليم شيك من السعودية. وبعد أقل من دقيقة كان يجلس أمامه، وهو يحاول أن يتماسك، ويسيطر على صوته حتى لا يتلعثم. وقدم المظروف قائلا - كما طلبوا إليه أن يفعل - إنه مبلغ بسيط. رمزي في الحقيقة. لا يتناسب قط مع الجهد الذي بذل في مقالاته ! فتح الإمام الأكبر المظروف ونظر إلى الرقم، وطواه على الفور، وقال له: شكرا للإخوة. وخرج المندوب من مكتب فضيلة الإمام وهو لا يصدق أن كل ما يجري أمامه الآن حقيقي. فلا بد أنه يحلم. أو لعله كابوس ثقيل على أثر سحور دسم ! ولكنه استفاق على صوت المحرر العلمي للجريدة القاهرية، والنقود لم تصل !.. ووضع المندوب يده في جيبه، وأخرج حافظة نقوده. وكان بها خمسون جنيها مصريا أعطاها له بكاملها. وقال له إن المقالات سوف تنشر – بإذن الله تعالى – بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، وذلك لأسباب تتعلق بضيق المساحة في الجريدة خلال هذا الشهر. ولم يسمع المحرر ما كان يقال له. طوى النقود بسرعة في جيبه. ولم يسأل عن سبب إعطائها له بالعملة المصرية بدلا من العملة الصعبة كما وعده من قبل. فلقد جاءت الجنيهات الخمسون في موعدها، ولسوف تحل له أكثر من أزمة ! بعد أيام، حينما كان فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور عبدالحليم محمود، يؤدي فريضة العمرة، تلقى التهاني الكثيرة على مقالاته العميقة الملهمة. وتحمس بعض المريدين وقالوا إنها لابد وأن تترجم إلى اللغات الأجنبية، حتى يعرف العالم العربي كلمة الحق، فيما يتعلق بعلاقة الإسلام والعلم. والحق أن فضيلة الإمام لم يأخذه الزهو بنفسه، بل استمسك دائما بالتواضع المعروف عنه. كل ما كان يفعله، وهو يستمع إلى عبارات الثناء والمدح الشديد لمقالاته، أن يداعب حبات مسبحته بأصبعه، ويتمتم قائلا: كله من فضل الله». هذه «الحدوته» – كما قلت سابقا – ظلت ثابتة في ذاكرتي منذ قرأتها أول مرة في كتاب أمير إسكندر: (اليمين واليسار في الثقافة المصرية). وكنت أنوي التحقق من صحتها، معتمدا في ذلك على الرجوع إلى أعداد «عكاظ» في عقد السبعينات الميلادية وعلى مراجعة مؤلفات شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، لكن كنت أتحين الفرصة المناسبة لعمل هذا التحري. وقد أتت هذه الفرصة حينما انضممت إلى جريدة «عكاظ» كاتبا أسبوعيا في صفحتها الثقافية منذ ما ينوف على الشهرين. فطلبت من الزملاء في مركز المعلومات في الجريدة أن يبحثوا عن سلسلة مقالات عنوانها (الإسلام والعلم) كتبها الشيخ عبدالحليم محمود، يبحثوا عنها في شهر رمضان ما بين عامي 1974 و1978. وقد حصرت البحث عنها ما بين هذين العامين، لأن العام الأول هو العام الذي تولى الشيخ عبدالحليم محمود فيه مشيخة الأزهر والعام الثاني هو العام الذي صدر فيه كتاب أمير إسكندر عن دار ابن خلدون في بيروت. وبالمناسبة فإن هذا العام هو العام الذي توفي الشيخ فيه. أفادني الزميل بدر بامطرف من مركز المعلومات بالجريدة، أنه يتوفر كشاف رؤوس أقلام للجريدة من نشأتها عام 1379 إلى عام 1389. وأن الجريدة غير مكشفة ابتداء من عام 1390 إلى شهر ستة من عام 1404. وأضاف ولأن المادة المطلوب البحث عنها نطاقها الزمني هو ضمن الأعداد غير المكشفة، فإن البحث سيستغرق وقتا. كنت في عجلة من أمري وليس بوسعي الانتظار لكتابة هذه السطور فشكرته على ما بذله من جهد. فهو قبل أن يقدم لي تلك الإفادة كان قد استخرج لي مقالة للشيخ الراحل من أعداد الجريدة المكشفة لم يجد سواها وكان عنوانها (نبي التوبة). نشرت بتاريخ 10/3/1387، الموافق ل18/6/1967. وقد نشرت المقالة باسمه المجرد مع لقبه العلمي، وهو الدكتور. أي من غير التعريف به من خلال الوظيفة التي كان يشغلها. والوظيفة التي كان يشغلها في تلك السنوات هي عمادة كلية أصول الدين في جامع الأزهر. ثم أخبرت بدرا أني لم أعد بحاجة إلى البحث عن سلسلة مقالات الشيخ عبدالحليم محمود. لم أعد بحاجة إليها لأني قد كنت استكملت الشطر الأساسي الذي يتيح لي مناقشة «الحدوته» الشيوعية ووضعها على محك النقد. وهذا الشطر يتوفر في مؤلفات الشيخ وفي تاريخه الشخصي ويرتكز عليهما. وطلبي من الزملاء في مركز المعلومات بالجريدة كان للتثبت من أنها – فعلا – قد نشرت فيها. وإن كانت قد نشرت وحصلت على صورة منها، فلن تكون الفائدة سوى استيفاء شكلي لا يقدم في مناقشة «الحدوته» وفحصها ولا يؤخر. لا عجب أن يهتم الشيخ عبدالحليم محمود بإيجاد صلة بين الإسلام والعلم، وأن يكون ملما بموضوعات تمنحه شروط الكتابة في هذا الموضوع. ولا عجب أن يكون مهتما ومنشغلا بهذا الموضوع. ففي أيام شبابه جيد كان يدرس في أواخر العشرينات وفي أوائل الثلاثينات في القسم العالي بالأزهر أزعجه، إثارة مجلة (السياسة الأسبوعية) – والتي كما تحدث في سيرته الذاتية كان هو وزملاؤه ينتظرون صدورها بشغف – موضوع العلاقة بين العلم والدين. أزعجه – كما قال – لأنهم لم يصلوا إلى نتيجة ترضي الحق. وكان خلطهم - كما يقال - واضحا بين العلم والفلسفة. ونستشف من قوله هذا أنهم طرحوا العلاقة بين العلم والدين على أساس أن العلاقة علاقة تعارض لا اتفاق. ونذكر أن الشيخ درس الفلسفة في فرنسا في ثلاثينات القرن الماضي وحصل على دكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1940. ودارس الفلسفة – كما هو معلوم – يقف في دراسته لها على الفروق بين الدين والفلسفة والعلم ويتعرف على ماهية هذه الموضوعات. الشيخ كان غارقا في التصوف وكان يلقب بالعارف بالله، ولم يمر في تاريخ مشايخ الأزهر في القرن الماضي من هو أشد منه إيمانا في التصوف. ولأنه كان صوفيا ودارس للفلسفة وعاصر في شبابه حينما كان طالبا في القسم العالي بجامع الأزهر فترة تشكيك بالدين من قبل المثقفين المصريين في بعض المجلات في ثلاثينات القرن الماضي، كان من الطبيعي أن يعنى بموضوع الصلة بين العلم والدين والذي اطلع على أعماله وعلة فتاواه يتضح له أن هذا الموضوع يشغله. فلقد تعرض له في أكثر من مؤلف وتعرض له في فتاواه وحتى في سيرة الذاتية خصه بأربع صفحات؟ وفي المقالة التي كتبها في جريدة (عكاظ) في ستينات القرن الماضي، والذي كان عنوانه (نبي التوبة)، كان مهتما بدحض الفكر المادي. ولعل مقالاته عن العلاقة بين الإسلام والعلم المنشورة في «عكاظ» والتي أدعى أمير إسكندر في «حدوته» بأن كاتبها كان المحرر العلمي (الشيوعي) لإحدى الصحف المصرية، هي سلسلة المقالات التي ضمها إلى كتابه (موقف الإسلام من الفن والعلم والفلسفة) والتي كان من بين عناوينها: العلم الذي يدعو إليه الإسلام. منزلة العلم في الإسلام. أسطورة التعارض بين الإسلام والعلم... الخ. عند قراءتي لمقالاته هذه وجدت أن أفكارها ترددت في مؤلفات تصدت لهذا الموضوع في منتصف القرن الماضي. لعل أشهرها كتب محمد فريد وجدي الذي أشار الشيخ عبدالحليم محمود في سيرته الذاتية إلى أنه من بين الذين تأثر بهم. ولا أدري كيف يجوز أن يكون الشيوعي الخارج من السجن حديثا مطلعا على تلك المؤلفات ليصوغ من خلالها مقالاته، ولا يكون الشيخ – هو وثق الصلة بسياق تلك المؤلفات – يعرف عنها شيئا. افتراء أمير إسكندر عليه كان قد أتى ضمن حملة كبيرة قد شنها عليه الشيوعيون المصريون، وقد قال عنها في مقدمة كتابه (أبو ذر الغفار والشيوعية): «شاءت المقادير أن أساق سوقا إلى معركة مع الشيوعية بسبب كلمة عابرة، بل أقل من عابرة إذا أمكن أن يقال ذلك، كتبتها عن الشيوعية، فكان الرد على هذه الكلمة أو الأقل من العابرة صفحات من الشتائم والسباب والتهجم على شخصي وعلى ما أمثله في مجتمعنا المسلم». ومن رسالة تثمين وجهها له حسن كتبي وزير الحج والأوقاف في السعودية في سبعينات القرن الماضي والتي ضمنها هو كتابه (فتاوى عن الشيوعية) نعرف أن ما اسماه بكلمة عابرة نشرت في مجلة (آخر ساعة) عام 1975. ومما لم يذكره الشيخ هو أنه قد شن حملة على الشيوعية في كتابيه السابقين وكتاب ثالث اسمه (الإسلام والشيوعية) وفي مقالات صحفية وفي فتاواه. وحملته هذه كانت ضمن حملة انضم إليها آخرون. وكانت الحملة بأمر من الرئيس أنور السادات لأن الشيوعيين المصريين كانوا أعدى أعدائه السياسيين والعقائديين. ولقد شارك السادات نفسه في هذه الحملة في بعض خطبه والتي استعمل فيها السخرية والاستهزاء بهم. وكان من ضمن تفاصيل الحملة المشار إليها إصدار الشيخ عبدالحليم محمود فتوى شديدة في الشيوعيين، كان من بين ما انتهى إليه فيها: أن المسلمة لا تحل لشيوعي: فإذا كان اعتنق الشيوعية بعد الزواج فإنها قد تصبح محرمة عليه. والمسلم لا تحل له الشيوعية: فإذا كانت اعتنقت الشيوعية بعد الزواج فقد أصبحت محرمة عليه. هذه الفتوى الموجودة في الجزء الثاني من كتاب له جمع بعد رحيله اسمه (فتاوى الإمام عبدالحليم محمود)، لا توجد فتوى تدانيها في شدتها في تاريخ الفتاوى الدينية في مصر والتي صدرت في حق الشيوعية والشيوعيين. في كذبة أمير إسكندر على الشيخ عبدالحليم محمود وعلى (عكاظ) كان يضع على لسان الشيخ لازمة كلامية هي: (هذا من فضل ربي) للتندر والسخرية به. ربما تكون هذه اللازمة هي تحوير لعنوان سيرته الذاتية الذي هو (الحمد لله: هذه حياتي) والتي صدرت في أواسط سبعينات القرن الماضي. ولقد عقد كلاما طويلا حول هذه الجملة جعله هو الفصل الأول من سيرته الذاتية متخذا له هذا العنوان: (عن الحمد). ومما قاله في هذا الكلام أن الله «عافاني من الطول والقصر، وجعلني وسطا – وله الحمد. وعافاني من البياض الأشقر ومن السمرة الداكنة وله الحمد... وإذا جئت إلى الذكاء والعقل والاتزان فإنني أحسب أنني – في كل ذلك – وسط». لاحظوا أنه يتحدث عن صفات لا يتصف بها وكأنها ابتلاء وبلاء ومحنة. وهذا حديث لا يطلقه سوى الغارقين في الدروشة. وكان الشيخ – رحمه الله – حجة في التصوف وإماما في العرفان والدروشة. * باحث وكاتب سعودي