لفت انتباهنا في مركز الدريب الحدودي الذي توجهنا اليه بعد جولتنا في قطاع سقام، انتشار رجال حرس الحدود بأسلحتهم الثقيلة ودورياتهم للتصدي لأية تحركات للمتسللين والمهربين. وأنستنا حرارة الاستقبال من قبل رئيس المركز رئيس رقباء سالم أبو حاسرة ما عانيناه من مشقة خلال الرحلة على طريق حي الحضن. حدثنا أبو حاسرة عن جهودهم المتواصلة على مدار ال24 ساعة لمسح مساحة شاسعة تمتد بين غربي وشرقي نجران، مبينا أن مهامهم على الخط الأمامي مع القوات المشتركة تضاعفت بعد انطلاقة عملية «عاصفة الحزم»، ما استدعى دعم مركز الدريب الذي يتناوب العمل فيه ضباط وأفراد وفق خطط مقننة ومدروسة بعناية لرصد ومتابعة الحدود. ويعتزون بالمهمة الموكولة لهم للمشاركة في الذود عن حياض الوطن بمعنويات مرتفعة تعززها إنجازات تتحقق على أرض الواقع بشكل شبه يومي. كانت ابتسامة الثقة في النفس تعلو محيا كل منهم فيما كنا نودعهم لنتوجه الى مركز قطاع خباش بعد التنسيق مع الرائد علي القحطاني الذي أطلقنا عليه لقب «قبطان الرحلة». رحلة شاقة بعد رحلة شاقة استمرت ساعات عدة، عبر طرق وعرة، وسط جبال شاهقة وكثبان رملية وصلنا إلى خباش قبالة منطقة البقع اليمنية. كنا طوال الرحلة على اتصال هاتفي مع قائد قطاع خباش العقيد عوض بن يحيى القحطاني الذي كان حريصا على استقبالنا. لكننا تأخرنا في الوصول نظرا لوعورة الطريق ونقاط التفتيش العديدة المنتشرة على جانبيه. وأبلغنا العقيد القحطاني أنه لن يستطيع انتظارنا أكثر نظرا لأنه بصدد القيام بجولة ميدانية على الشريط الحدودي. ورغم إحساسنا بالإرهاق وحاجتنا الماسة للراحة في حينه، دفعنا الفضول الصحفي إلى التحامل على أنفسنا والتجول بين مراكز الرقابة في خباش، حيث استشعرنا عظم المسؤولية الموكولة لرجال حرس الحدود الذي يؤدون واجباتهم بنكران ذات وعلى استعداد تام للتضحية بأراوحهم في سبيل الوطن. كنا نشاهد بالعين المجردة مرتفعات وجبال اليمن على الجانب الآخر من الحدود بين البلدين. موقع استراتيجي في أحد تلك المراكز التقينا العقيد القحطاني الذي كان في عجلة من أمره، لكنه لم يبخل بالإجابة على استفساراتنا، مبينا أنهم ضباطا وأفرادا يؤدون واجبهم في قطاع خباش الذي يتميز بموقعه الإستراتيجي من الناحية العسكرية ويمتد على طول نحو 180 كلم في منطقة ذات طابع جبلي صحراوي. وقال إنهم يتعاملون فورا مع أي تحرك معاد داخل العمق اليمني. والاقتراب من الحدود يعد خطا أحمر. ويتم رصده من قبل الأطقم المجهزة بأحدث المعدات التقنية والعسكرية. بيد أنه شدد على أن مهمة المراكز الحدودية في الدرجة الأولى تتمثل في متابعة حالات التسلل والتهريب التي أصبحت شبه معدومة في ظل الوضع الراهن حيث التفوق الكبير لقوات التحالف المشاركة في «عاصفة الحزم». ومع ذلك يواصلون مهماتهم دون كلل أو ملل ويقفون في الخط الأمامي مع زملائهم في القطاع العسكري، وفاء لعهد قطعوه مع أنفسهم. وفي الوقت نفسه يتابعون عملهم الرئيسي من خلال الدوريات على امتداد الخط الحدودي. مناظير متطورة واصلنا رحلتنا متنقلين بين المراكز الرقابية برفقة الرائد علي القحطاني. والتقينا عددا من أفراد تلك المراكز الذي يتناوبون على حماية الحدود مزودين بمعدات ثقيلة وأخرى خفيفة. وبعضهم يراقبون الحدود بمناظير «درابيل» نهارية وليلية متطورة تقنيا، وكاميرات حرارية ترصد في غرف عمليات مجهزة كل من تسول له نفسه التسلل أو التهريب عبر الحدود. وفي الوقت نفسه كانت تتنشر دوريات حرس الحدود لمتابعة كل شاردة وواردة. وتحدث إلينا بروح معنوية عالية كل من الرقيب معشي، العريف عيسى قمري والجندي أول على الله حوباني، معبرين عن فخرهم واعتزازهم بالمشاركة في ردع أي عمل يهدد أمن الوطن الغالي. وقالوا إن الذود عن حدود البلاد شرف كبير لهم. وهم على استعداد للتضحية بأرواحهم في سبيله، لافتين إلى أنهم بحكم عملهم تعودوا على التصدي للمتسللين والمهربين. وبعض زملائهم استشهدوا لتظل راية الوطن عالية خفاقة. وتطرقوا إلى «عاصفة الحزم»، مبينين أنها أتاحت لهم الفرصة لمشاركة زملائهم في القطاعات العسكرية الأخرى في حماية حدود الوطن والتصدي لكل عابث يحاول تجاوز الحدود، لافتين إلى أن حزمهم لقن ميليشيات الحوثي والمخلوع علي صالح درسا لن ينسوه أبدا. وفي ختام زيارتنا لخباش أطلعنا الرائد علي القحطاني على بعض المقذوفات العبثية التي أطلقت من داخل الأراضي اليمنية وسقطت بالقرب من الشريط الحدودي وشرح لنا مهمة الخطوط الأمامية وتأهبها الدائم لمواجهة كل من تسول له نفسه العبث بأمن وسيادة الوطن الغالي. قبل حلول الليل كان لزاما علينا العودة نظرا لوعورة الطريق وطوله، على أمل أن نختتم جولتنا بلقاء مع قائد حرس الحدود في منطقة نجران اللواء علي بن عبيد آل نمشة.