لم يكن مستغربا حجم الانتقادات التي نالها الفيلم الوثائقي القصير «حكاية حسن» بعد بثه في قناة العربية أخيرا، على الرغم أنه لم يخرج عن الواقع أو يغالط الحقائق الصرفة حول تاريخ حسن نصرالله وارتباطه بإيران ومرحلة البدايات التي أصلت فيه تلك التوجهات التي جرت لبنان إلى حروب عبثية وخراب وفوضى ودمار لوطنه، بل لأن الفيلم لم يضع «البهارات» التي تعكس درجة الشر والحقد والوقاحة التي يتصف بها نصر الله، ولأن مستوى الاحتقان لدى الشارع العام أكبر من مجرد طرح سيرة حسن نصرالله كما هي، ولن يتقبل طرح تاريخه وسيرته الملطخة بالدماء «مجردة» من أي رتوش مؤدلجة، فهكذا هي ذهنية الشريحة الأكبر في عالمنا العربي والعقلية المأزومة بالمبالغة في المشاحنات مع الخصوم. ولكن ما تعجبت منه هو حجم الإساءات التي طالت القائمين على قناة العربية لدرجة التشكيك في ولائهم ووطنيتهم، وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي للإساءة لهم والتأثير على الرأي العام بالسلب، كل هذا غير مقبول وبعيد عن العقلانية تماما، شاهدنا ذلك في كم كبير من التعليقات، وبعضها ساهمت بشكل مؤثر في تأليب المشاهدين والقراء على كبار الإعلاميين وتوجيه أبشع الإساءات لهم، خاصة أن من بينهم شخصيات معروفة على الصعيد الاجتماعي ولهم تأثير كبير في الفضاء الافتراضي وأعداد كبيرة من المتابعين في شبكات التواصل الاجتماعي. ومشكلة قناة العربية منذ انطلاقتها أنها خالفت الجو العام في الإعلام العربي المرئي الذي اعتاد عليه المشاهد العربي، لأن أشهر القنوات وأكثرها متابعة هي تلك التي وجهت طرحا مؤدلجا في غالبية القضايا، وهناك أكثر 1300 قناة تلفزيونية عربية بينها ما لا يقل عن 90 قناة إخبارية وعشرات القنوات الدينية والثقافية والفنية، بينها مئات القنوات التي تؤجج التمترس الطائفي والمذهبي والسياسي على مدار الساعة، وهذا عدا القنوات الغربية الناطقة بالعربية، ومن بين كل هذا التشويش استغلت قناة العربية جزءا من المساحة الفارغة التي لم تستغل في الإعلام العربي، وهي الحقيقة المجردة والواقعية، وجعلت منها مسارا مهنيا لها. ووفقا لهذا المسار خسرت العربية شريحة كبيرة من المشاهدين الذين اعتادوا على القنوات المنغمسة في الأيديولوجيا، وفي زمننا هذا لم يعد إنشاء قناة فضائية مشروعا ضخما عالي التكلفة، فبإمكان المستثمر فتح استديو لتشغيل قناة فضائية من داخل شقة مفروشة أو على طريقة الدكاكين لتصل إلى المشاهد العربي في مشارق الأرض ومغاربها وتشبعه بنظريات المؤامرة، والتطرف المذهبي البغيض، وخطابات الشتم والقذف والصراخ والعويل، ومشادات الخلافات الفكرية والسياسية والدينية وما يتخللها من فجور في الخصومة لدرجة تصل إلى العراك بالأيدي وتبادل اللكمات والركل والرفس. ولكن كسبت العربية في الوقت ذاته ثقة مشاهديها وبدأت من ذلك المسار المهني المعتدل في خلق قاعدة جماهيرية جديدة في العالم العربي، وهو ما تسبب في تزايد حجم الكراهية ضدها من قبل المنافسين أو المتطرفين ورعاة الفتن والأكاذيب الذين انبروا لمهاجمتها والنيل من رموزها، لأن الطرح الموضوعي لا يتفق مع توجهاتهم، ولأن العربية لم ترضخ لهم وتتحول إلى بوق يردد شعاراتهم. لذلك.. الحملة الشرسة على «العربية» لا علاقة لها ب«حكاية حسن» الذي أوضح حقيقة ضلوعه في المشروع الإيراني الخبيث، بل هي حرب ضروس ضد الحقيقة والحياد والواقعية التي تقلب مضاجع التطرف الإعلامي الذي عبث بالعقل العربي.