منذ أن أطلق أحد المذيعين الرياضيين لفمه حرية التعبير كان من نتاجها مفردات لا حصر لها تم تناقلها بين الناس إلا أن أشأم مفردة نطق بها مذيع هي: مفردة (أمة) واصفا أحد الأندية المحلية. ومن ذلك الفم المعوج تم تناسخ المفردة لتصبح على ألسنة الجمهور الرياضي، وبات لدينا : الأمة الهلالية والأهلاوية والنصراوية والاتحادية .. وكان لا بد أن تكون لهذه الأمم مواصفات أممية محددة لأن تنهض كقوة مستقلة. ذلك السخف المنفلت تعالت وتيرته برعاية ومباركة المهتمين بالشأن الرياضي، ولم تكن نتائجه محسوبة، ظنا أن المسألة محصورة في التشجيع الرياضي، وتسارعت الخطى المتسعة لتفريق البلد وفق المناطق الجغرافية للأندية الكبيرة حتى ظهر النشيد الخاص بكل نادٍ. نعم هكذا نشيد! حتى أن نشيد كل نادٍ يكون سابقا للنشيد الوطني.. ومع هذه المهزلة كانت العنصرية تأخذ حيزا من مشاعر الناس لتأصيل الانتماء الجزئي الذي تغلب على الانتماء الكلي داخل الملاعب. وفي عدم وجود مراقبة وترشيد وتوعية وتثقيف حدث ذلك الاختطاف القسري وتم الترويج لمقولات بعينها للتدليل على عملية الفصل بين انتمائين: انتماء للمنتخب وآخر للنادي وكانت الأحاديث تدور على ألسنة الجمهور مثل أن هذا اللاعب لاعب نادٍ وليس لاعب منتخب، والشكوى من إحجام الجمهور عن حضور مباريات المنتخب إذا قيست بأعداد حضور مشجعي حضور الأندية. وكلما ازدادت المنافسات الكروية بين الأندية كلما ازدادت الفرقة بين جمهور كل نادٍ.. كان يحدث ذلك من غير وجود توعية تثقيفية بأهمية أن الألعاب الرياضية وجدت للترويح والتسلية وليس للفرقة والتنابذ.. وعندما يظهر تسجيل صوتي للاعب (سواء أكان حقيقا أو مزيفا) واصفا فريقا وطنيا ورئيسه بأنهما يمثلان دولة إسرائيل ورئيسها يكون التمثيل دالا على عمق الكراهية التي استقرت عليه مشاعر الجماهير تجاه بعضها البعض.. وأن يقوم رجل بعملية حرق شعار نادٍ والتلفظ بألفاظ الكراهية أمام أطفاله يكون ممثلا جيدا لما وصلت إليه حالة التشجيع بين الجمهور من تثوير للمشاعر ودفع الآخرين لاعتماد طريقة المشاحنات لإغاظة جمهور الأندية المنافسة. وهذان المشهدان يجب أن يكونا محفزين لتدارك الحالة المتردية التي وصل إليها الجمهور الرياضي، ومعروف أن جنون كرة القدم (في كل بلد) يحمل طابع المشاحنة والإغاظة ولكن هناك هيئات ومؤسسات حكومية تتابع مسارات وانحناءات التشجيع وتقنينه وتوجيهه الوجهة الخاصة التي لا تظهر انقساما في الكيان الواحد. ويبدو أننا اتبعنا تعلم بداية القيادة في البلد حين يكون السائق (غشيم) ويلح على معلمه: (وجه الهايلوكس على الخط وسيبني)... نعم أقيمت المنشآت ودفعت الملايين، وأقيمت المناسبات، ومدت الخطوط الطويلة والقصيرة لكرة القدم، وعمدنا إلى وضع الكرة على الخط، وتركنا الجميع في سباق محموم لإحداث الحوادث القاتلة. - فكم هايلكس لدينا الآن؟ ولأننا أفقنا على مشاحنات كبيرة وعميقة فعلى كل مؤسسات الدولة التنبه، نعم لدينا تحديات مستقبلية وحرب خارجية، وأيضا لدينا تحديات داخلية محركها الأساس التعصب، وليس آخرها التعصب الرياضي، فلا تتركوا (الهايلوكس) على الخط من غير تدريب الناس على القيادة.